تجذرت اصول كتائب حزب الله منذ اوائل التسعينات لتغدو بعد حينٍ نخلةً باسقةً يستظل بها عشاق الشهادة وأباة الضيم لتمدهم العزم للذود والدفاع عن الدين والوطن.
في منتصف شعبان من عام 1991 انتفضت أغلب محافظات العراق ضد النظام البعثي على اثر هزيمته في الكويت من قبل أمريكا والدول المتحالفة معها.
وكادت الانتفاضة الشعبانية تؤتي أكلها لولا مساعدة القوات الأمريكية لنظام صدام في قمع المنتفضين, تاركةً وراءها مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمهاجرين والأيتام والأرامل , وخرابا ودمارا طال حتى الاضرحة المقدسة.
وأحدثت الانتفاضة تساؤلات كثيرة في نفوس شريحة الشباب المتدين منها :- هل لهذا الشعب قيادات تقوده ساعة المواجهة مع الطاغية؟
وبعد فشل الانتفاضة في إسقاط النظام بدأت حلقات النقاش بين الشباب لبحث المشروع المنقذ لواقعهم العقائدي و الاجتماعي والثقافي الواجب تحقيقه.
وتبلورت من تلك النقاشات أفكار من قبيل أننا عاصرنا وقرأنا فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) , وعشنا في وقت ثورة الإمام الخميني (قدس) , وتأثرنا باطروحة الجمهورية الإسلامية وأفكارها، سقّط منا الشهداء على يد أجهزة النظام الأمنية ,وقضى آخرون سنوات في غياهب السجون وهاجر بعضهم خارج العراق على مدى سنوات حكم البعثيين ,فركز في أذهاننا أننا أبناء مشروع إسلامي متكامل يمكن أن يكون هو المشروع المنقذ للعالم بأكمله.
وقبل سقوط النظام وبدء احتلال العراق في عام 2003 تنبه قسم من اولئك الشباب إلى أنّ الاحتلال واقع لا محالة. وما إن دخلت قوات الاحتلال مدن العراق, وبدأت حينها دوريات الاحتلال تتحرك في الشوارع بعربات الهامفي دون أبواب, وبدأ الجنود يختلطون بالناس والاطمئنان يملأصدورهم ,بدأ الامريكان يفكرون بمرحلة الاحتلال في العراق وتمثلت هذه المرحلة بحكم بريمر وصدرت القرارات بتشكيل مجلس الحكم وبدأت الامور تتضح اكثر وأصبحت القوات الامريكية بين ظهرانينا صباحاً ومساءً تجوب الشوارع و وتقيم المعسكرات وتصدر القرارات وتعتدي على من تشاء وتقتل وتعتقل من تشاء ....
حددت امريكا مواقفها في العراق, تبعاً لتصنيفها للوجودات العراقية الثلاثة من: شيعة, وسنة, وأكراد .
اذ توقع الامريكان ان الشيعة سيكونون اصدقاءً لهم, شاكرين لهم إنقاذهم من ظلم وقتل النظام البعثي بحق علمائهم وأبنائهم, وجعلهم يعيشون تحت خط الفقر بالرغم من انهم يمثلون اغلبية الشعب العراقي, وبالتالي ظّن المحتل انهّهم لن يختاروا المقاومة لمواجهة القوات المحتلة للعراق.
لكن أمريكا اكتشفت منذ الايام الاولى للاحتلال أنّها قد أخطأت في حساباتها تماماً إذ فوجئت بوجود أكثر من فصيل مقاوم في المناطق الشيعية , لقد أثبتت هذه الفصائل قدرتها على مقارعة الاحتلال وأجبارهِ على التعجيل بسحب قواته من العراق . بحسب ما نشرتهُ بعض التحليلات الامريكية.
وكانت الرؤية الامريكية ان الاكراد سيحمون قوات الاحتلال في مناطقهم, بل أنّهم سيرغبون ببقاء تلك القوات سنوات طويلة, كي تؤمن لهم الحماية الكاملة من جرائمالبعثيين الذين قتلوهم وشردوهم آبان حقبة حكمهم .
وكانت قراءة الاحتلال لموقف الأكراد صحيحةً, واثبتت فترة سنوات الاحتلال أنّهم الجهة الوحيدة في العراق, التي هادنت الاحتلال واحتضنته, واستفادت من وجوده المرحّب به دائماً في شمال العراق.
أمّا السنّة, فقد قدرت أمريكا أنّهم فقدوا السلطة والامتيازات, مّما سيؤدي الى لجوئهم الى حمل السلاح بوجه قوات الاحتلال, فعالجت ذلك من خلال منح السنّة بعض الامتيازات في حكم العراق على الرغم من انهم لا يتجاوزون الـ20% من سكان العراق.
وقد دخلت جملة عوامل في تعامل الاحتلال معهم بهذه الطريقة, اهمها: تنظيم القاعدة وما يسمّى بـ "التنظيمات الجهادية السلفية", إضافةً الى فصائلَ من المقاتلين ساعد على ظهورها الضرر الكبير الذي أصاب ابناء السنة بسبب حل أجهزة النطام الأمنية والجيش العراقي من قبل الحاكم الامريكي بول بريمر فوجدوا انفسهم بدون عمل, بل ومهددين بالاعتقال والمحاكمة.
ووقفت أغلب الدول العربية مع الخيار المسلّح لسُنّة العراق لخوفهم من المشروع الأمريكي والوجود الشيعي في السلطة, فدعموا القتال ضد القوات الامريكية وقتل الأبرياء من الشيعة.
إن المعالجة الأمريكية لواقع ابناء السنّة لم تكن مطابقة مع ما تمخضت عنه فترة الاحتلال, إذ تكبدوا الخسائر في المنطقة الغربية ولكن تمكنوا في النهاية من القضاء على بعض الفصائل وترويض البعض الآخر.
كانت أمريكا تخطط له للبقاء في العراق مدةً طويلةً جداً, للحفاظ على أمن اسرائيل". بحسب وثائق قناة الجزيرة.
فلذلك قامت بالضغط على الامم المتحدة ومجلس الامن لإصدار قرار يعتبر احتلال العراق احتلالا رسميا.
ولولا ضربات المقاومة الإسلامية لقوات الاحتلال لما فكرت أمريكا بالخروج من العراق ولو بعد 100عام .
في ظروف انفعالات العراقيين, الممزوجة بالفرح لسقوط النظام والتخّوف من عدم مصداقية امريكا في العراق, برزت عّدة عوامل أثرت بشكلٍ مباشرٍ على موقف عموم الناس من المقاومة, منها:
1-عدم صدور موقف واضح من المرجعية الدينية في النجف الاشرف, يتضمن مقاومة الاحتلال او مقاطعته. مما ادى الى صرف انظار معظم الشباب عن مقاومة الاحتلال وأداء الواجب الوطني والديني , الذي لا ينظر في أدائه الى راي المرجع
2- الديني، فالفقهاء المتقدمون والمتاخرون أيضاً الأحياء والأموات قد أجمعوا على وجوب قتال المُحتل دون أذن الفقيه, ولكن وتسارع الاحداث وحالة التنافس على المناصب والوظائف جعلهم في شغل عن مراجعة اراء علمائهم واداء واجبهم الشرعي و الوطني والاخلاقي
3-دخول القيادات الجهادية, والحركات المعارضة للنظام البعثي ضمن المشروع السياسي الامريكي, الذي بدأ بمجلس الحكم.
4-انتشار هامش كبير من حرية الرأي وممارسة الشعائر الدينية بعد سقوط نظام صدام.
5-تحسن نسبي في الوضع الاقتصادي للناس من خلال توفير السلع في الاسواق وباسعار مناسبة, ورفع رواتب الموظفين والمتقاعدين.
6-فتح ملف المقابر الجماعية .
7-نشر اسماء ضباط الامن والمخابرات و رجال الاجهزة الامنية الاخرى, واشاعة ثقافة الاقتصاص من هؤلاء وأنّهم الهدف الوحيد تماماً الذي يجب العمل عليه.
8-التأسيس لمرحلة الطائفية بين السنة والشيعة.
ورغم هذه الاجواء, بدأنا بتأمين الإمكانات الكفيلة لإنجاح مشروع المقاومة, والبحث عن الخبرة والسبل المثلى لمواجهة قوات الاحتلال, وبعد التوكل على الله اتخذنا قرار مقاومة الاحتلال, منطلقين من الاية الكريمة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ).
وكان لابد من توفر عدة عناصر لتأسيس تشكيلنا الجهادي, منها :
اولاً- العنصر البشري : رغم التباس الامور تجاه الموقف من قوات الاحتلال, وجدنا اخواننا يمتلكون الاستعداد الكامل للعمل الجهادي, والقناعة بشرعيته ووجوبه, وأن لا طريق غيره لإخراج الاحتلال من ارض الوطن.
ثانيا- الخبرة القتالية و كيفية اكتسابها : حيث بدأنا التفكير بأساليب المواجهة المناسبة للاحتلال, ولم نهتد الى سلاح افضل من سلاح العبوات , ولعل اغرب ما صادفنا في هذا المجال هو الدراسة التفصيلية الوافية لسلاح العبوات المنشورة على الموقع الالكتروني التابع لوكالة الاستخبارات الامريكية CIA، وما ساعد على تطوير سلاح العبوات هو وجود مجموعة من المهندسين والفنيين ضمن مجاميعنا الاولى الملتحقة بعملنا.
وادخلت الكتائب أساليب واسلحة جديدة, لتمتلك في المحصلة تكتيكاً خاصّاً بها يشمل التنوع بالاسلحة والاساليب, وهذا ما اعترف به ضباط العدو بالقول " ان الكتائب تستخدم الأجهزة الأكثر تطوراً من أي أجهزة أخرى أستخدمها المسلحون في العراق , ان عملهم مثير للإعجاب ويحتاج إلى مهندسين أذكياء جداً. بحسب ما نقلته صحيفة defensenews.
ثالثاً -عنصر التكتيك: اذ لم يكن امامنا من اسلوب قتالي مناسب غير اسلوب حرب العصابات القائم على اساس – اذا هجم العدو انسحب, واذا استقر هاجمه, واذا انسحب لاحقهُ- وطبّق مجاهدونا هذا التكتيك بدقة متناهية, مستفيدين من عنصر الأرض والديمغرافيا التي لم تخدم العدو في اغلب الاحيان .
رابعاً- الدعم اللوجستي : إستطاع إخواننا من تأمين الدعم اللوجستي على اساس إمكانيات متواضعة وظفت بشكل فني وعلمي لخوض المعركة و كتابة قصة كرامة في ارض المقدسات .
يشار الى ان موقع voanews ,نشر اعترافاً للجنرال راي اوديرنو يوضح عجز حكومته من تتبع مصادر تمويل الكتائب, اذ قال: " ان كتائب حزب الله تحصل على السلاح من مصادر مختلفة، ومن الصعب تتبع التمويل لهم".
الأهداف والثوابت
أما الاهدف والثوابت فقد استمدت كتائب حزب الله أهدافها وثوابتها من الأحكام الشرعية, التي استند اليها التشكيل, فكان وما زال هدفنا الأول هو: إفشال المشروع الامريكي في المنطقة, بإلحاق الهزيمة بالاحتلال وطرده من العراق منكسراً ذليلاً.
والهدف الثاني هو استعادة سيادة العراق, وتمكين جميع ابنائه من حقوقهم .
أمّا ثوابتنا الجهادية فكانت أربعة:
اولها : مجاهدة الاحتلال, حتى طرد آخر امريكي من العراق .
وثانيها: تحريم دم العراقيين من المدنيين وأبناء الأجهزة الأمنية والتماس الأعذار لهم عن كل موقف سلبي تجاهنا.
وثالثها: الحكومة العراقية القائمة هي حكومة تحت الاحتلال, وهي افضل من الاحتلال لابناء الشعب, مما يستوجب عدم التعّرض للحكومة وأجهزتها.
يذكر ان سفير الاحتلال في العراق "جيميس إف جفري" لمّح في جلسة أمام مجلس الشيوخ في الأول من شباط 2011 , أن المقاومة الشيعية, ومنها كتائب حزب الله, تستهداف القوات الأمريكية دون التعرض للقوات الحكومية العراقية".
اما رابع ثوابتنا فهو احترام مقام المرجعية في النجف الاشرف واعتبار ولاية الفقية المُعبر الحقيقي لإنجاز مشروعنا.
أسباب تسمية كتائب حزب الله
بدأنا العمل العمل الجهادي دون أن نسمي تشكيلنا باسمٍ معّينٍ وانّما انصّب اهتمامنا على تأسيس العمل وبنائه ،فبعد ان ظهرت وبوضوح معالم تشكيلنا و الاستعدادات الامنية المتطورة, ولإنتفاء الأسباب التعبوية إعتمادنا اسماً واحداً للتشكيل هو اسم كتائب حزب الله, انطلاقا من الآية الكريمة, (( ألا إن حزب الله هم الغالبون )).
وقد اصدرنا بياناً بتأريخ الحادي والعشرين من آب عام 2007 , أعلنا فيه عن تسمية التشكيل رسمياً بـ "كتائب حزب الله".
وهذا بعض ما جاء فيه : "بعد أن وتدت في الارض اقدامها, واعارت لله جماجمها, وصبت على المحتل جام غضبها, وأنزلت به ضرباتها, فجعلت مدرعاته نهباً للنيران واشلاء ضباطه وجنوده اشتاتاً, إذ اختلطت الرؤوس بالاقدام, وبعد ان جمعها حب الله والدفاع عن الشعب, وبعد ان كانت تعلن عن اسماء مختلفة ورايات عديدة, قررت كتائب كربلاء وكتائب ابي الفضل العباس وكتائب زيد بن علي وكتائب علي الاكبر وكتائب السجاد (ع) ان تعلن عن أسمها الحقيقي ورايتها الواحدة وهي راية, (كتائب حزب الله) ".
الى ختم البيان القول ..... اننا نحمي اوطاننا واعراضنا ومقدساتنا باعز ما نملك , وهي دماؤنا التي لن تتوقف ابدا حتى تخرجوا من ارضنا والا لن يكن امامكم سوى الموت.
انطلاقة كتائب حزب الله الجهادية
انطلقت مقاومتنا الاسلامية بدخول الاحتلال في 9/4/2003 , وقد نفذت أول عملية جهادية في الشهر الثامن من نفس العام. وتُعدّ هذه العملية الانطلاقة الفعلية الاولى لعمليات الكتائب, ولكن لم يكن التوفيق حليف تلك العملية حيث تم إعتقال ثلاثة من مجاهدينا قبل تنفيذها.
وبعد إعادة الحسابات نفذت العملية الجهادية الثانية في بغداد منطقة البلديات شرق القناة في 23/10/2003 ، فدُمرت فيها آلية همر وقُتل من فيها, وكانت هذه العملية الانطلاقة الموفقة لعلميات كتائب حزب الله , ومنها بدأت منازلة الكرامة بين أبناء كتائب حزب الله المتسلحين بسلاح الإيمان بالله ووعده بنصر المجاهدين, وجيش الاحتلال المتسلح بأحدث الأسلحة.
ويمكن وصف الآثار الإيجابية لنجاح هذه العملية كبداية لعمل جهادي على النحو التالي :
1-أثبتت تلك العملية امكانية مواجهة جيش الولايات المتحدة الامريكية, وتدمير آلته العسكرية, وكسر جبروته, وقتل جنوده, من قبل مجموعة قليلة وبإمكانيات محدودة.
2-العمل على رفع مستويات الشباب بالتدريب, لتنفيذ برامج العمل في الميدان .
3-إدراك ضرورة الاقتراب من العدو والتعّرف عليه بشكل جيد, ومتابعة وإفشال إجراءاته الوقائية.
4-توفرت لدينا قناعة عملية بأنّ عملنا هذا من الممكن أن يكون نواة لمشروع مقاومة في العراق ينهض مستقبلاً بأعباء مقاومة الاحتلال ويحتضن المجاهدين.
5-ضرورة توفير المناخ الأمني المناسب للإخوة, لأداء تكليفهم دون ان يتمّ كشفهم من قوات الاحتلال او حتى من قبل أهلهم.
مراحل العمل و تطوره
كان سلاحنا في المرحلة الاولى من سنة 2003 و 2004 هو العبوة الجانبية الواحدة ثم تطور العمل بالعبوات خلال 2004 بإستخدام العبوات المزدوجة, حيث يتم زرع اكثر من عبوة لتستهدف أكثر من آلية في آن واحد او بفارق زمني قصير وشكلّ هذا الأَسلوب مشكلة كبيرة لقوات الاحتلال، إذ إنّ الآليات الأخرى بدأت تبتعد عن ساحة العملية وتترك الآلية المستهدفة تحترق بجنودها, ولا يقترب أَحد منها حتى تتفحم بالكامل خوفاً من وجود عبوات أخرى تستهدف المسعفين.
لقد كانت آليات الاحتلال تتحرك ببغداد من دون ابواب, ممّا زاد في في خسائر الامريكان بإستهداف المقاومين لها, الامر الذي اضطرهم الى تدريعها في ثلاث مراحل حتى بلغت كلفة الهمر من 350 الف دولار الى 500 الف دولار, فاستحق عام 2004 لقب عام العبوات.
وفي آواخر 2004 وضع الاحتلال لعجلة الهمر الأَنف الالكتروني الحراري, في محاولة منه لتعطيل عمل العبوات ولم يفلح كثيراً في ذلك، ثمّ أدخل سلاح كاشف العبوات ( كاسحات الألغام ) وبأنواع مختلفة واعداد كبيرة, وظهر على العدو الزهو للوهلة الأولى لتوفير الأمان لجنوده في الشارع، ولكنّ هذا لم يدم طويلاً اذ فوجئ بعد فترة بإستهداف الكاسحة نفسها, واحدثت بها عبواتنا دماراً كبيراً وافقدتها فعاليتها.
أصبح مشروع المقاومة في عام 2005 ذا معالم واضحة, وأُضيفت للعمل أسلحة صواريخ الكاتيوشا والهاون ، فعندما كانت المقاومة تعتمد وبشكلٍ أساسي على العبوات, كان جنود الاحتلال يتسابقون لإنهاء دورياتهم في الشارع, كي يعودو الى معسكراتهم ليشعروا بالأمان والراحة, ولكن عندما أُدخل سلاحا الهاون والكاتيوشا لم يعد المعسكر المكان الآمن لهؤلاء الجنود, فأصبح الجندي يشعر بالقلق والخوف في مركبته وفي المعسكر كذلك, فلا يهنأ في مأكله او منامه, وبدلاً من تناوله للمهدءات اثناء خروجه للشارع فقط, أصبح يتناولها في المعسكر للتغلب على قلقه وذعره حتى يتمكن من النوم.
يشار الى أن الاحتلال ساعد في تأجيج الاقتتال الطائفي في العامين 2005 ,2006 , باستهداف الشيعة من قبل القاعدة والوهابية وبقايا الاجهزة البعثية الاجرامية, وذلك من خلال تنفيذ المحتل وعملائه لعمليات هنا وهناك يحّملها للسنّة مّرة وللشيعة مّرة أخرى, ومع كل ذلك فان المقاومة لم تنحرف عن هدفها الاول وهو الاحتلال, و كانت المقاومة توجه ضربة موجعة للمحتل مع كل عملية تنفذ ضد الشيعة.
وفي عام 2005 كان الانتشار الجغرافي لعمليات الكتائب من ضمن الامور التي ناقشتها قيادة التشكيل, ووضعت لها البرامج, فبدات المقاومة بالعمل خارج بغداد, لتوجه ضربات مؤلمة جداً للعدو, ونتيجةً لتلك الضربات وضربات الفصائل الاسلامية الاخرى قررّ حلفاء امريكا سحب قواتهم من محافظات العراق نهائيا.
ومّما لا شك فيه أنّ بغداد كانت تمثل الاولوية الأولى لإعتبارات كثيرة, لعل من اهمها :
1-ان بغداد هي العاصمة, ولم يعلن الاحتلال احتلاله للعراق الا بعد دخوله بغداد, وعليه يجب ان يُهزم الاحتلال اول ما يُهزم في بغداد.
2-عندما تنطلق شرارة المقاومة في بغداد, يكون ذلك حافزاً للعمل المقاوم في المحافظات الاخرى.
3-وضعَ الاحتلال اكثر من 50% من قواته في بغداد, بحيث وصل عدد قوات الاحتلال فيها الى اكثر من 80 الف عسكري امريكي.
4- ان اغلب الاعلإميين متواجدون في بغداد, لذلك كان الاحتلال حريصاً على استتباب وضعه فيها, فلم يكن يسمح للإعلاميين بتغطية ما يجري على قواته, سواء في بغداد او المحافظات, ولكن كان لبغداد وضعها الخاص.
5- تُمثّل بغداد الثقل السكاني الأكبر من بين جميع محافظات العراق, إذ تبلغ السدس من عموم الشعب.
بغداد هي المكان الاكثر قربا من قرارات الاحتلال العسكرية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية.
7- تمركز الحركات السياسة في بغداد.
وأما البصرة فنظراً لما تُمثله من اهمية للعدو اصبحت الميدان الثاني بعد بغداد وتلتها بعض المحافظات الاخرى.
يشار الى ان توني بلير أعترف في مذكراته قائلاً " اني أشعر "بأسى شديد" بسبب قتل جنودنا في العراق, ولم اكن لادرك ابداً الكابوس الذي أعقب حرب العراق, اشارةً الى العمليات الجهادية لفصائل المقاومة في البصرة ".
وقد خص الكولونيل باتش كيفينار كتائب حزب الله من فصائل المقاومة في البصرة اذ قال: " هنالك جماعات مسلحة مختارة في البصرة وخاصة " كتائب حزب الله" الشيعية .
ولم تتمكن كتائب حزب الله من العمل في بعض المحافظات مثل محافظات كردستان التي اتخذ قادتها السياسيين قرار مؤازرة الاحتلال لان النظام البعثي ارتكب المجازر ضد الشعب الكردي, لذا لم يتحسسوا من تواجد الاحتلال في عموم العراق وكان العمل المقاوم في الشمال شبه معدوم بالنسبة لنا.
اما في بعض المحافظات الأخرى مثل الموصل وبعض مناطق صلاح الدين والأنبار فكان السبب الأساسي لعدم عملنا فيها هو إشعال الحرب الطائفية من قبل الاحتلال مستفيداً من بعض التكفيريين لتنفيذ جرائمهم البشعة ضد المدنيين الشيعة وعندما سالت الدماء ظهرت حالة من العداء بين الطائفتين وبذلك لم تكن تلك المحافظات ساحة مناسبة للعمل والانفتاح على أبناء شعبنا.
كان لانتصار حزب الله اللبناني على العدو الصهيوني في حرب تموز 2006 أثرٌ معنويٌّ على أبناء المقاومة الاسلامية في العراق بل وعلى كل الشارع الشيعي في العراق.
وكان للمقاومة خلال هذه الحرب موقفها الواضح والداعم, حيث استطاعت ان توجه ضربات مؤلمة لقوات الاحتلال الامريكي , وفي عام 2006 تمكن رجال المقاومة من ادخال سلاح القناص, فكان العلاج المناسب لنقاط تفتيش قوات الاحتلال التي حاولت من خلالها إعاقة حركة مجاهدينا, وكان لهذا السلاح الاثر الكبير على الاحتلال, إذ أدرك بان وجود قواته في الشارع سيعّرضهم لخطر كبير, ممّا اضطره الى منعهم من النزول الى الشارع, إلاّ في حالات الضرورة القصوى, حينها بدأنا بقنص جنود الاحتلال الذين يقفون أعلى الآلية خلف رشاشة الماك او غيرها, وتمكن الاخوة من قتل العشرات من الجنود وهم في آلياتهم او في نقاط المراقبة, فاضطر الجيش الامريكي الى اضافة درع جديد على شكل مربع فوق كل آلية لحماية جنوده, ووضع المشبكات حوله وحول ابراج المراقبة التي تحيط بالمعسكرات. لقد تمكننا من امتلاك المبادرة في الشارع, وحصر وجود جندي الاحتلال إمّا في معسكره او في داخل آليته والمعسكر يتعرض للقصف وآلالية تتعرض للعبوة, وهذا يكشف عن الحالة النفسية المتردية لقوات الاحتلال الذي بدأ يفكر بايجاد حلّ يخلصه من هذا المازق, ومن خلال البحث عن نقطة ضعف عند المقاومة وجد لدى المقاومة ما يعتبره نقطة ضعف, وتعتبره المقاومة نقطة قوة, وهي عدم تعّرض المقاومة الى افراد الجيش العراقي او الشرطة العراقية, فالاحتلال يعلم علم اليقين بأنّ المقاومة الاسلامّية ( كتائب حزب الله) لا تتعرض للعراقيين حتى إذا كانوا ضمن دورية أمريكية, لذلك بدأ الامريكي يستخدم الجيش العراقي والشرطة العراقية في امور عديدة, ولعلَّ ابرزها:
1-وضع سيطرات عديدة من الجيش والشرطة العراقيين حول المعسكرات الامريكية.
2-نشرهم في اغلب الطرقات التي تسلكها الارتال والدوريات الامريكية .
3-انشاء مراكز مشتركة للقوات الامريكية مع القوات العراقية .
4-تسيير عجلات تحمل العراقيين ضمن الدوريات الامريكية .
5-استخدام سيارات الاجهزة الحكومية العراقية من قبل افراد وجيش الاحتلال .
6-الاستفادة من تطويق المناطق وعزلها للمداهمات والاعتقالات لصالح قوات الاحتلال.
دخلنا العام 2007 , وقد قام العدو باكثر من اجراء في محاولة لتامين حماية دورياته ومعسكراته ومن ابرز تلك الاجراءات:-
1-بناء الاسيجة الكونكريتية لجميع الطرقات التي تسلكها دورياته, وكذلك حول معسكراته.
2-إنشاء قواعد صغيرة داخل الاحياء, سموها بـ "المراكز الامنية المشتركة" .
3-العمل على تشغيل عمال تحت غطاء التنظيف ولكنهم في الحقيقة يقومون بمسح الطرقات, وبشكل مستمر للبحث عن العبوات .
4-إدخال الاحتلال طائرات التجسس MQ وبشكل مكثف.
وهنا بحث ابناء كتائب حزب الله في الاجراءات المضادة, لايجاد الحلول المناسبة لما يدبره الاحتلال, فكان أحد تلك الاجراءات هو تشكيل مجاميع رجال "المهمات الخاصة" الذي يقوم على اساس مواجهة العدو وجها لوجه باستعمال الاسلحة الخفيفة والمتوسطة, وابرز اسلحة هذه العمليات هي قاذفة RBG7 التي يُستهدف بها ابراج قواعد الاحتلال وآليات الهمر, وكذلك الـ B29 ضد دبابة الابرامز وناقلة الجند "البرادلي".
وتمكن ابناء كتائب حزب الله في عام 2007 من الحصول على سلاح مقاومة الطائرات وأُستهدفت اكثر من طائرة للعدو ولعلَّ ابرز عمليات مجاهدينا في سلاح مقاومة الطائرات تمثلت بـ اسقاط طائرة اباتشي في بغداد - منطقة العبيدي في الـ 31-7-2007.
لم ينته عام 2007 إلاّ وكانت المفاجاة الكبرى بانتظار قوات الاحتلال حيث تمكن مجاهدونا في قسم العمليات الفنية من ابتكار سلاح الاشتر والذي اطلق عليه الاحتلال اخيراً اسم (ARM) وهو مختصر لاسم ( العبوات الانفجارية الطائرة الارتجالية) .
ويمثل الاشتر مرحلة متقدمة من مراحل مواجهة الاحتلال في طريق معركة الكرامة والتحرير, اذ تمكن هذا السلاح من إحالة قواعد الاحتلال الى خراب وركام, فجدرانهم الكونكريتية ورصدهم المتطور لم يمكنهم من الحيلولة دون قتل جنودهم وتدمير تحصيناتهم فائقة الإحكام.
وكان يوم 18-11-2007 (الثامن عشر من تتشرين الثاني من عام الفين وسبعة) هو الانطلاقة الاولى لسلاح الاشتر, اذ انطلقت قذائفه فجر ذلك اليوم, لتُحيل قواعد المحتل في منطقتي الشعب والرستمية ببغداد الى حطام, وتترك آلياته فيها بين نهب نيران التدمير وتقاذف عصف التفجير .
وما لبث ان فاق من هول التدمير في منطقتي الشعب والرستمية, حتى فوجئ ثانيةً بإنطلاق الأشتر من منصات كادت ان تُلآصق قاعدتي الدهلكي والرستمية ببغداد في 19-2-2008 محدثاً بهم أفدح الخسائر وبقيت النار تستعر بآلياته حتى ساعات متأخرة من الليل .
وما ان حل يوم 28-4-2008 , إلاّ وأصبحت قاعدتا الاحتلال في الامن العامة والجزائر ببغداد كعصف مأكول بسلاح الاشتر عندها أصبح واضحاً عجز العدو عن ايجاد أي معالجة توفر الحماية لقواعده من هذا التحدي المرُعب .
ولم يمهلهم أبناء كتائب حزب الله كثيراً ففي يوم 8-7-2008 كانت الضربة المؤلمة والانتكاسة الحقيقية لقوات الاحتلال عندما دُكت قاعدتهم في حي أور في بغداد بسلاح الاشتر مما عزّز قناعة تلك القوات بأن لا بقاء لهم في العراق بوجود كتائب حزب الله .
وبعدما لاحت في الأُفق هزيمة الاحتلال, حاول ان يجعل من الاتفاقية الأمنية طوق نجاة، فتلك الاتفاقية في الحقيقة فرضتها عليهم ضربات فصائل المقاومة وفي مقدمتها كتائب حزب الله ، وبعد إنكفاء قوات الاحتلال الى خارج المدن تنفيذاً لبنود الاتفاقية , بدأ أبناء الكتائب بتطوير قدراتهم وفي مقدمتها "سلاح الاشتر" على صعيد المدى والقدرة والتكتيك, فكان الجيل الجديد من الصواريخ الذي سُمّي بـ ((الكرار)) نتاجا لذلك الجهد التطويري.
وجاء يوم 3-1-2011 ليكون بداية مرحلة جديدة هي مرحلة ملاحقة العدو، حيث إستُهدفت قاعدة ( كالسو شمال الحلة ، وقواعد سيلر وفكتوريا وليبرتي في "قاعدة" المطار في بغداد ) بسلاحي الاشتر والكرار, وبإسلوب جديد لم يعهده الاحتلال من قبل, وكانت هذه العمليات رسالةً واضحةً للعدو مفادها, : إنّ جميع قواعد وأفراد قواتكم المحتلة هي تحت مرمى نيران كتائب حزب الله متى شاءت ذلك .
ورافقت مرحلة الأشتر مرحلة تطوير الجهد الاستخباري والمعلوماتي, وتطوير اساليب الدعم اللوجستي عموماً, والنقل والتمويه خصوصاً, لتكون عملية تحريك شاحنات الاشتر ورسم مساراتها وتوقيت العمليات في غاية الدقة والإتقان .
وقد تمكن جهدنا الاستخباري من متابعة آثار قصف الاشتر النفسية والمادية على قوات الاحتلال, بل وتوثيق خسائره فديوياً ونصياً من خلال مصادرنا المختلفة في نقل المعلومة.
وقد اعترف قائد قوات الاحتلال السابق في العراق الجنرال اوديرنو في 13-7-2010 بعجز بلاده عن صد هجمات الاشتر, حينما قال: "ان كتائب حزب الله لا تزال تشكل تهديداً أكثر خطورة على القواعد الأمريكية, لانها زادت من هجماتها الخطرة بالقذائف الصاروخية على القواعد العسكرية الامريكية في الاسابيع القليلة الماضية. مؤكداً بقوله " رفعنا مستوى الاستنفار الامني في بعض قواعدنا لتزايد تهديدها من قبل كتائب حزب الله "
وكان جو بايدن نائب الرئيس الامريكي بحسب ما نشرته وكالة فرانس بريس في 21-1-2011, قد أعرب عن أسفه للخسائر التي تكبدتها امريكا جراء المقاومة العراقية, اذ قال: "ان السنوات الطويلة من النزف والالم في العراق قد يكون ثمنها باهظاً، وربما ما كان يجب ان تحدث اصلاً. واضاف "يتساءل البعض منكم، ولا تظنوا انني لا اطرح السؤال على نفسي ايضاً، هل كان الامر يستحق 4439 قتيلا في صفوف الجنود الاميركيين؟ وجرح 32 الف شخصاً من بينهم 16 الفاً سيحتاجون للرعاية الدائمة؟".
كتائب حزب الله والاعلام:
بدأ الاهتمام في الوهلة الاولى بالاعلام في عام 2004 , من خلال تصوير بعض العمليات, تمهيداً لإدخال النشاط العسكري الى دائرة الاعلام بما يناسب الوضع الامني للتشكيل, كما قام مجاهدونا في الاعلام الحربي بانشاء موقع "خيبر" عام 2006, ورُفد بمئات العمليات الجهادية, التي كانت ذات اثر ايجابي على ابناء المقاومة, واثر سلبي على جنود الاحتلال, غير أنّ الاحتلال تّمكن من غلق الموقع في العام 2008, لتأثيره على معنويات الجيش الامريكي, اذا ما علمنا ان الكثير من جنود الاحتلال كانوا يشاهدون فيه قتل زملائهم وأحتراق آلياتهم وقصف قواعدهم.
وتمكن الاعلام الحربي من تجاوز مُعرقلات الاحتلال الفنية والقانونية, وأعيد نشر موقع "خيبر" بحلته الجديدة في 2009 باسم (موقع كتائب حزب الله ) وفيه كل ما هو جديد من التقارير الخاصة بالكتائب, كما أصبح يحتوي على مكتبة مرئية بابوابها الـ 15 التي فيها مئات العمليات الجهادية.
واول ما اصطدمت به الكتائب اعلامياً هو سياسة أغلب وسائل الاعلام العراقية التي نحت منحى سياسة الاحتلال في تشويه صورة المقاومة وترويج افكار الاحتلال الخبيثة.
أمّا الاعلام العربي, فكان مبرمجاً بين الطائفية واجندة المشروع الامريكي في المنطقة عموما والعراق خصوصا, بحيث باءت جميع محاولات الكتائب للاتصال بالقنوات العربية بالفشل باستثناء بعض الفضائيات التي تعاطت بايجابية في عرض بعض عمليات كتائب حزب الله.
وبقى التشكيل ضمن دائرة التعتيم الاعلامي حتى اواخر العام 2007 عندما اعلن الاحتلال بنفسه عن وجود كتائب حزب الله ومستوى التهديد الذي تشكله ضد قواته وخطرها المستقبلي عليه , وبدا الاحتلال يتداول هذا الاسم بشكل مستمر الى ان وصل به الحال الى وضع كتائب حزب الله على قائمة الارهاب الامريكية بشكلٍ معلنٍ ورسمي.
وفي ذلك دلالات كثيرة منها :