كشفت الأزمة في مصر المعضلة التي تواجهها الولايات المتحدة تجاه القاهرة حيث تبدو محرجة بين تمسكها بالقيم الديمقراطية، وسعيها لحماية تحالفها الاستراتيجي مع هذه الدولة العربية الكبرى.
ففيما شكلت واشنطن طوال 35 عامًا سندًا لنظامي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك المؤيدين للغرب والمعارضين للإسلاميين، تبدو حاليًا محرجة منذ سقوط مبارك في فبراير 2011 الذي تلاه في ربيع 2012 انتخاب الرئيس الإسلامي محمد مرسي قبل عزله في 3 يوليو.
وقال خبراء "أن الولايات المتحدة ممزقة بين المبادئ الأخلاقية والواقعية السياسية، وتعاني من صعوبة في اعتماد دبلوماسية متماسكة حيال مصر". فكيف يمكن الجمع بين الترويج للديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي قيم يهوى الأمريكيون دفعها قدمًا وحماية "مصالح أمنهم القومي" أي حماية تحالفهم مع بلد محوري للاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي يوليو 2009 حث باراك أوباما في خطابه الشهير في القاهرة على إحلال الديموقراطية في الدول العربية. ومنذ انطلاق الربيع العربي في 2011 تبنى الامريكيون خطًا أكثر "واقعية" يجمع البراغماتية الديبلوماسية والقيم الأخلاقية على ما أوضح حسين ايبيش من "مجموعة العمل الأمريكية حول فلسطين".
وأضاف بخصوص مصر أن واشنطن "تحاول الذهاب إلى أبعد ما تستطيع على مستوى القيم (الاخلاقية) من دون تهديد أساس علاقتها الاستراتيجية" مع القاهرة متحدثا عن "توازن دقيق".
بالتالي أدانت إدارة أوباما من جهة القمع "المشين" للمتظاهرين المناصرين لمرسي، وطالبت بعودة الديموقراطية، وهددت بتجميد مساعداتها العسكرية والاقتصادية البالغة 1,55 مليار دولار سنويا. ومن جهة اخرى تجنبت بعناية وصف عزل مرسي بأنه "انقلاب عسكري" وقبلت بحكم الواقع بالنظام الجديد الذي اقامه الجيش وامتنعت عن الحديث عن "حرب أهلية".
وتلخص الخارجية الأميركية معضلتها بالطريقة الفضلى.
وأوضحت مساعدة المتحدث باسم الوزارة ماري هارف "علينا اتخاذ قرارات تستند إلى مصالح امننا القومي، لكن كذلك إلى قيمنا ومبادئنا". وأضافت "أنه كالسير على حبل مشدود".
ويرى جريغوري جوز أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت أن "النقاش بين القيم الأخلاقية والمصالح الإستراتيجية القومية دائر في أوساط الدبلوماسية الأميركية منذ رئاسة جيمي كارتر (1977-1981) الذي شكلت حقوق الإنسان نقطة أساسية في سياسته الخارجية".
ويذكر ايبيش بأن مصر "تبقى بالغة في الأهمية" للولايات المتحدة التي "تعاونت" مع مبارك طوال ثلاثة عقود ثم عام 2011 مع الجيش، ثم مع حركة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها مرسي في العام التالي وحاليا مع السلطات الجديدة".
وسواء كان على مستوى اتفاق السلام المصري الإسرائيلي في كامب ديفيد عام 1978 برعاية أمريكية، أو الملاحة في قناة السويس وفي المجال الجوي المصري، أو التعاون العسكري والاستخباراتي فإن لواشنطن "علاقة حيوية مع الدولة المصرية" بحسبه.
وتحت ضغط برلمانيين ومنظمات حقوقية، طالبوا بوقف المساعدات الأمريكية لمصر ألغت إدارة أوباما مناورات عسكرية معها وأرجأت تسليمها طائرات مقاتلة. كما قد يتم اتخاذ إجراءات أخرى بحق القاهرة.
لكن قطع المساعدات "سيوجه إشارة إضافية إلى انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط" على ما أنذر مدير مركز بروكينغز في الدوحة سلمان الشيخ على حسابه في موقع "تويتر". وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي بأن "مساعدتنا لمصر حيوية من أجل أهدافنا نحن على مستوى الأمن القومي ومن أجل الاستقرار الإقليمي".
المصدر: فرانس برس+ وكالات