بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
صدق الله العليّ العظيم
لقد أرسل الله تعالى رسله بالبينات والهدى إلى جميع خلقه ليكونوا أمة واحدة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، عابرة لحدود العنصرية والقومية والجغرافية؛ وقد بذل الأنبياء عليهم السلام جهوداً عظيمة من أجل هذه الوحدة، ولقد أريقت الدماء الطاهرة للأنبياء عليهم السلام والخُلّصِ من أتباعهم من أجل هذا الهدف العظيم؛ حتى أكمَلَتِ الرسالةُ المحمديّةُ الغَرَّاءُ هذا المشروعَ الإلهيّ بوصفها خاتمةً للرسالات والتي تناسب حاجات الإنسان إلى نهاية هذا العالم.
وقد أرسى الخاتِم صلوات الله عليه وآله بخطابه النورانيّ العابر للقومية والجغرافية حين صدح: لا فَرقَ بين عربيّ وأعجميّ إلّا بالتقوى... وكذلك صَنَعَ الإمامُ سيّدُ الشهداء عليه السلام عندما أطّرَ مشروعَهُ الإصلاحيّ بشعاره الخالد: (إنما خرجتُ لطلبِ الإصلاح في أمّة جَدّي، فَكَانَ فتحُهُ عابراً للحدود الجنسيّة، والقوميّة، والجغرافية، وقد شارك في فتحه المُبارك أنصارٌ من مختلف القوميات والبلدان كـ(واضح التركي، وزهير اليماني، وجون الحبشي، وحبيب الكوفي، والهفهاف البصري) وغيرهم، وسارَ على هذا المنوال أئِمّةُ الهُدى عليهم السلام في مشروعهم العالمي الذي سيُختم بالدولة العالميّة على يد المُنقِذ العالميّ المهديّ من آل محمد عليهم السلام والذي سيعتمدُ الولاءَ لله ورسوله في حركته، وقد ورد عنهم عليهم السلام أن أصحابه المقرّبين من كُنُوزِ طالقانَ، وأبدال الشام، ونجائب مصر، وعصائب العراق، فضلاً عن قادةِ المشروعِ من بُلدان مختلفة؛ منهم الخراسانيّ، واليمانيّ... الأمر الذي يؤكّد وحدةَ المبدأ والعقيدة لا الوحدة على أساس الجنسيّة، أو الإثنية أو العِرق القوميّ.
وقد كانت تجربةُ الحوزةِ العلميّةِ في مدرسة أهل البيت عليهم السلام قائمةً منذ زمن الغيبة الكبرى وإلى الآن على الرجوع إلى مراجع الدين العلماء العُدُول بغض النظر عن جنسيّتهم، وقوميّتهم، فكان الفارسيّ في إيران يعمل بآراء السيد محسن الحكيم العراقيّ، والعربي الحجازي يعمل بآراء السيد الخوئي التركيّ، والعراقيّ يعمل بآراء السيد البروجردي الفارسيّ، ولم يكن هناك تحسّس من هذه المسألة؛ بلحاظ أن الأصل في الدين هو الولاء والانتماء لله تعالى ولرسوله وائمة الهدى عليهم السلام بعيداً عن الأُطُر الجغرافيّة التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو لتمزيق المسلمين، وتقطيع بلدانهم لصالح القوى الاستكبارية المعادية للإسلام والمسلمين.
لقد ظهر في الأيام الماضية صوت نشاز لا ينتمي إلى المرجعيّة وخطها العميق في الأمة يحاول تمزيق وحدة الصف عن طريق طرح أفكار عنصرية وقومية بعيدة عن الدين؛ فحواها انه لا يحقّ للمؤمنين العمل بآراء الفقهاء الذين يعيشون خارج الأُطُر الجغرافيّة لهم لأغراض شخصيّة، ومنافع وقتيّة يعرفها أهل البصائر من المؤمنين، وهنا نؤكّد أن هذه الأصوات المنحرفة على مستوى الفكر لا تنتمي إلى المرجعيّة ولا تمثلها، ولا تمثل الرأي الدينيّ لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، ونُهيب بالأخوة المؤمنين أن يحذروا من الوقوع في مخالبِ هذه المُخطّطات الاستكباريّة التي تهدف إلى شقّ صفوفهم، وإضعاف قدراتهم، وبث التفرقة بينهم؛ لتحقيق مصالح محور الاستكبار، وأن يرفضوا كل هذه المشاريع الخبيثة بغض النظر عن الشخص الذي تصدر عنه هذه الأفكار وندعو الحوزات العلميّة إلى إصدار بيانات الإدانة لمثل هذه الأفكار الهدّامة التي لاتريد للأمّة الإسلاميّة الخيرَ والقوّةَ.
مجلس التعبئة الثقافية لكتائب حزب الله
6 محرم الحرام 1443 هـ