بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
بِحُزْنٍ يَعْتَصِرُ القُلُوبَ، وَدُمُوعٍ تَتَقَطَّرُ مِنْ وِجْدَانِ الْأُمَّةِ، نُحْيِي ذِكْرَى الْفَاجِعَةِ الْجَلِيلَةِ: اسْتِشْهَادِ الْإِمَامِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، الْإِمَامِ السَّادِسِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، وَسَيِّدِ مَدْرَسَةِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْبَيَانِ، الَّذِي امْتَدَّتْ أَنْوَارُ هُدَاهُ لِتُغَمْرَ قُرُونًا مِنَ الْفِكْرِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَكَانَ إِمَامًا لَا يُجَارَى فِي حِكْمَتِهِ، وَلَا يُدَانَى فِي عِلْمِهِ، وَلَا يُضَاهَى فِي بَصِيرَتِهِ، وَلَا يُشَقُّ لَهُ غُبَارٌ فِي وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ.
لَقَدْ مَثَّلَ الْإِمَامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ذُرْوَةَ الْإِنْفِجَارِ الْمَعْرِفِيِّ فِي مَدْرَسَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، فَأَسَّسَ، خِلَالَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ عَامًا مِنْ إِمَامَتِهِ الشَّرِيفَةِ، نَهْجًا عِلْمِيًّا فَرِيدًا جَمَعَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ، وَالْفَلْسَفَةِ وَالطِّبِّ، وَالْكِيمْيَاءِ وَالْفَلَكِ، وَكَانَ مَحْوَرًا لِمُنَاظَرَاتِ الْعَقْلِ وَالْإِيمَانِ، وَقَائِدًا لِلْوَعْيِ الرُّوحِيِّ فِي زَمَنٍ عَمَّتْ فِيهِ الْغَفْلَةُ، وَضَاعَتْ فِيهِ الْبُوصَلَةُ.
تَخَرَّجَ مِنْ مَدْرَسَتِهِ الْعُظْمَى أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَاوٍ وَعَالِمٍ، وَكَانَ لَهُ الدَّوْرُ الْأَبْرَزُ فِي وَضْعِ الْأُسُسِ الْعِلْمِيَّةِ لِلْفِكْرِ الْعَقَائِدِيِّ الشِّيْعِيِّ، حَيْثُ صَاغَ أَدَوَاتِهِ، وَرَسَّخَ مَنْهَجِيَّتَهُ، وَبَسَطَ بِسَاطَ الِاجْتِهَادِ، وَأَرْسَى قَوَاعِدَ عِلْمِ الْأُصُولِ، وَأَقَامَ فِي تَلَامِذَتِهِ ـ كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَضْرَابِهِ ـ صُرُوحًا مِنَ الْحِجَاجِ الْعَقْلِيِّ وَالِانْتِصَارِ لِلْحَقِّ.
وَقَدْ كَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَتَنَقَّلُ بَيْنَ أَرْوِقَةِ الْعِلْمِ وَالسِّيَاسَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، بِتِلْكَ الرُّوحِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي لَا تَخْضَعُ لِطَاغِيَةٍ، وَلَا تَلِينُ أَمَامَ سُلْطَانٍ، فَكَانَ صَوْتَ الْحَقِّ فِي زَمَنِ الطُّغْيَانِ، وَشُعْلَةَ الْهِدَايَةِ فِي لَيْلِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ، وَصُورَةَ الْوَحْيِ حِينَ تَخْرَسُ الْأَلْسُنُ وَتَضِيعُ الْبَصَائِرُ.
وَقَدْ أَرَادَ أَعْدَاؤُهُ بِاغْتِيَالِهِ إِسْكَاتَ صَوْتِ الرِّسَالَةِ، وَلَكِنَّهُمْ مَا عَلِمُوا أَنَّ صَوْتَ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَا يُطْفَأُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ صَوْتَ فَرْدٍ، بَلْ صَوْتَ أُمَّةٍ، وَحِكْمَةَ نُبُوَّةٍ، وَنُورَ وَحْيٍ مُتَجَدِّدٍ. مَا زَالَ اسْمُهُ يُتْلَى عَلَى مَنَابِرِ الْعُلَمَاءِ، وَيُدَرَّسُ فِي حَلَقَاتِ الدَّرْسِ، وَيُنْقَشُ فِي ضَمَائِرِ الْأَحْرَارِ، كُلَّمَا طَلَبُوا الْحَقَّ، وَاسْتَنَارُوا بِنُورِ الْهُدَى.
وَفِي هذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الْأَلِيمَةِ، يتَقَدَّمُ مَجْلِسِ التَّعْبِئَةِ الثَّقَافِيَّةِ، بِأَسْمَى آيَاتِ الْعَزَاءِ وَالْمُوَاسَاةِ إِلَى مَقَامِ مَوْلَانَا بَقِيَّةِ اللهِ الْأَعْظَمِ، الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ (عَجَّلَ اللهُ فَرَجَهُ الشَّرِيفَ)، وَإِلَى السيد القائد الإمام الخامنئي، ومَرَاجِعِنَا الْعِظَامِ، وَعُلَمَائِنَا الْأَعْلَامِ، وَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا.
إَنَّ ذِكْرَى الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَيْسَتْ مَجَرَّدَ تَارِيخٍ يُسْتَذْكَرُ، بَلْ مَشْرُوعٌ حَيٌّ نَابِضٌ، وَمَنَارَةٌ فِكْرِيَّةٌ خَالِدَةٌ، نَسْتَمِدُّ مِنْهَا الثَّبَاتَ فِي زَمَنِ التَّلَوُّنِ، وَنَسْتَنْهِضُ بِهَا الْعُقُولَ فِي زَمَنِ التِّيهِ، وَنَحْفَظُ مِنْ خِلَالِهَا هُوِيَّةَ الْإِسْلَامِ الْمُحَمَّدِيِّ الْأَصِيلِ، فِي وَجْهِ مُحَاوَلَاتِ التَّغْرِيبِ وَالتَّزْيِيفِ وَإِفْرَاغِ الدِّينِ مِنْ مَضْمُونِهِ الرِّسَالِيِّ الْمُقَاوِمِ.
السَّلَامُ عَلَى الْإِمَامِ الصَّادِقِ، يَوْمَ وُلِدَ طَاهِرًا، وَيَوْمَ عَاشَ مُعَلِّمًا وَقَائِدًا رِسَالِيًّا، وَيَوْمَ اسْتُشْهِدَ مَظْلُومًا مَسْمُومًا، وَيَوْمَ يُبْعَثُ شَاهِدًا وَشَفِيعًا.
كتائب حزب الله
مجلس التعبئة الثقافية
24 شوال 1446 هـ