مقذوفات الاحتلال على جنوب العراق في حرب 1991 تعادل 7 قنابل ذرية

تابع الباحث اللواء عبد الوهاب محمد الجبوري لملف استخدام قوات الاحتلال "أطلاقات يورانيوم غير منفلقة" عام 1993و لغاية العام 2001 حيث وجد الباحث عينات في محطة خرانج العراقية الواقعة قرب الحدود العراقية الكويتية السعودية وأعلنها مع زملائه في اللجنة الطبية والعلمية المشتركة في وسائل الإعلام العالمية المختلفة منذ العام 1993 .. يشار الى ان اليورانيوم الخام موجود في أماكن متعددة من العالم بتراكيز مختلفة وهو يحتوي على ثلاثة نظائر مشعة، اليورانيوم 238 ونسبته 28ر98% واليورانيوم 235 ونسبته 71 ,0% واليورانيوم 234 ونسبته 85 00ر0% اليورانيوم 235ر234 يستخدمان في صنع الوقود النووي والأسلحة النووية وما تبقى هو اليورانيوم 238 يسمى اليورانيوم المنضب أر المستنفد.. وكل من اليورانيوم 235ر238 عنصر مشع والعمر النصفي لليورانيوم 238 أطول من أعمار الكون والشمس والأرض.. وعمر الأرض حوالي (4) مليارات سنة ونصف والشمس حوالي (10) مليارات سنة والكون حوالي (15) مليار سنة.. أما اليورانيوم المستنفد فعمره النصفي حوالي (4) مليارات ونصف المليار عام وحتى يفقد قدرته على الإشعاع يحتاج إلى (10) أعمار نصفه أي حوالي (40) مليار سنة.. وبعد عملية الفصل يصبح اليورانيوم المستنفد من المخلفات النووية ويكون ساما ومشعا وفي صحبته أيضاً جانب من اليورانيوم 235 ولذلك تبلغ نسبة إشعاعه 60% من إشعاعات اليورانيوم المخصب وباستمرار هذه العملية أكثر من (50) سنة في الولايات المتحدة واستخدامها في الأسلحة النووية والمفاعلات تم إنتاج أكثر من (101) بليون رطل (باوند) من النفايات النووية الحارقة على اليورانيوم المستنفد .. وبعد بحوث عديدة استمرت سنوات طويلة اقترنت بالإفادة من خبرة مجموعة من الباحثين الألمان الذين كانوا قد اكتشفوا هذه الأسلحة أثناء الحرب العالمية الثانية، تقديم إيجاد حل لمشكلة تحويل مادة اليورانيوم الهشة إلى مادة متماسكة صلبة قادرة على خرق الدروع والأجسام الصلبة وجرى تصنيع وتطوير قذائف عرفت باليورانيوم المستنفد من هذه النفايات ومواد أخرى وأنتجت لأول مرة من قبل شركة (هوني ديل) الأمريكية عام 1977، لكنها لم تستخدم فعلياً في الحرب خلال العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991 وبكثافة عالية جداً بلغت حوالي مليون إطلاقة يورانيوم مستنفد جو/ أرض عيار (30) ملم تحتوي كل منها على (300) غم يورانيوم أي ما مجموعه (300) طن بالإضافة إلى حوالي (15) ألف مقذوفة دروع عيار (105) ملم و (120) ملم يحتوي كل منها بين (2ر2 كغم - 10 كغم) يورانيوم كما في قذائف M735 - Al عيار (105) ملم المستخدمة في الدبابات الامريكية M60 – Mi المجهزة بمدفع M68 وقذائف M829 عيار (120) ملم المستخدمة في الدبابات MIA2 , MIAL , M60, Ml إبرام وكذلك الآلاف من الألغام الأرضية نوع ADAM PDM التي تستخدمها المدفعية الأمريكية عيار 155 ملم والتي يحتوي كل منها على (1 ر0) غم يورانيوم.. هذا بالإضافة إلى قذائف نوع XM 919 عيار (25) ملم التي استخدمتها عجلات القتال (برادلي) خاصة تلك كانت تابعة للفرقة الأمريكية (129 الآلية في حقل الرميلة الشمالي يومي 2 و 3 آذار 1991، أي بعد قرار وقف إطلاق النار يوم 28/2/1991 الذي اتخذ من جانب واحد من قبل بوش .
 ويبلغ وزن اليورانيوم في كل قذيفة من هذه القذائف (5ر8) غم.. أن هذا الحجم الهائل والكشف للأسلحة الإشعاعية المحرمة دوليا أو ما تسمى باليورانيوم المستنفد ومن مختلف الأنواع والعيارات التي استخدمت بوحشية مفرطة ضد الأهداف المدنية والعسكرية العراقية تسمح بتقدير مجموع وزن المستنفد من (350 ـ 400) طن وتقدر مصادر أمريكية متعددة أن مجموع الوزن الكلي لأعتده اليورانيوم المستنفد المستخدمة من قبل القوات الأمريكية والبريطانية ضد العراق بلغ (700) طن بما في ذلك كميات أسلحة اليورانيوم الهائلة التي تعرضت إلى التفجير والاحتراق في معسكر الدوحة غرب مدينة الكويت بتاريخ 11/7/1991.
وهذا يعني أن حجم التلوث الإشعاعي الذي تعرضت له مدن العراق الجنوبية بالخصوص يفوق التلوث الإشعاعي الناتج عن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وإذا أضفنا حجم وزن المقذوفات التقليدية التي ألقيت على العراق خلال حرب 1991 البالغة (141921) طن (والتي تعادل 7 قنابل ذرية من عيار هيروشيما) فلنتصور إذن حجم الدمار الهائل الذي تعرض له شعبنا المجاهد والذي ليس له مثيل في تاريخ الحروب
يذكر ان اليورانيوم المستنفد أو المنضب يتحرر من الأعتدة الحاوية له عندما يخترق الرأس الحربي سطح الهدف الصلب وتتحول طاقة اليورانيوم الحركية إلى طاقة حرارية وتنتج دقائق عالقة تحتوي على تركيز عال من اليورانيوم وتدخل جسم الإنسان بالطرق التالية:
1 . الاستنشاق: فعندما يكون اليورانيوم المستنفد بصيغة وكسيد اليورانيوم وعلى شكل دقائق عالقة يدخل جسم الإنسان عن طريق الجهاز التنفسي وتستقر الذرات الدقيقة الحجم في الرئتين وبذلك تتعرض إلى الإشعاع المنبعث من اليورانيوم الذي يكون عبارة عن نقطة مشعة حمراء في الرئتين يسبب بقاؤها مدة طويلة تلف الخلايا والإصابة بسرطان الرئتين.
2 . الجهاز الهضمي: عند احتراق خارق اليورانيوم يتحول جزء منه إلى دقائق تستقر على الماء والأغذية وتدخل ذرات اليورانيوم جسم الإنسان عند تناوله الأغذية والمياه الملوثة به عن طريق الجهاز الهضمي حيث تكون تأثيراتها مضاعفة لان اليورانيوم هو احد العناصر الثقيلة (السمية) بالإضافة لكونه عنصرا مشعا وبدخول اليورانيوم مجرى الدم ينتقل إلى كافة أعضاء الجسم ليتركز معظمه في الكلية والعظام مسببا سرطان العظام والكبد والكلية والدم.
وتعتبر الكلية من أكثر أعضاء الجسم حساسية لليورانيوم المستنفد بشكل عام فان تحديد الخطورة الناتجة عن التعرض للجرع الإشعاعية المتأتية من أشعة غاما بالذات يدخل فيها الكثير من العوامل التي لا يزال بعضها مجهولا، وتخترق ذرات اليورانيوم الجسم أيضا عن طريق الجلد الإصابات المباشرة ..
3 . التعرض المباشر واختراق الجسم كذرات دقيقة جدا : تدخل ذرات اليورانيوم الدقيقة كهباء جوي تخترق جسم الإنسان بشكل مباشر وتتسبب بنفس الأضرار التي تحدث في الحالتين الأولى والثانية ناهيك عن أضرار أخرى يتعرض لها الإنسان ومنها التأثيرات الوراثية من جراء تلف الخلايا التكاثرية والذي يؤدي إلى حدوث الطفرة الوراثية..
لقد تسبب الحجم الكبير من الأسلحة الإشعاعية التي استخدمت ضد الشعب العراقي لا النظام البعثي في إحداث تأثيرات كبيرة على الواقع البيئي والصحي في البلاد وتم إجراء العديد من الدراسات والبحوث للمناطق التي استخدمت فيها هذه الأسلحة بكثافة في ساحة العمليات الجنوبية وخاصة مناطق (حقل الرميلة الشمالية والجنوبية، مطار الشامية ، المنطقة المنزوعة السلاح بين العراق والكويت بما فيها منطقة جبل سنام وسفوان وأم قصر - منطقة السلمان - المياه الإقليمية) وقد توصلت هذه الدراسات التي اقترنت بزيارات للتحقق من الآثار الخطيرة لأسلحة اليورانيوم على الإنسان والبيئة والحيوان والهواء في المناطق التي تعرضت إلى القصف بهذه الأسلحة ، إلى تحقيق نتائج مخيفة ومرعبة تم عرضها على العالم والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام وأبرزها:
 
1 . وجود تلوث إشعاعي في المناطق المذكورة وقد شمل أيضا بعض النبات الطبيعي وعناصر السلسلة الغذائية.. ووجدت كذلك مساحة تقدر بحدود (1044800) مترا مربعا من التربة الملوثة تتعرض فيها أحياء التربة إلى تراكيز عالية من المواد المشعة.
2 . أما فحوصات المياه فلم تؤشر زيادة في تراكيز النظائر المشعة في المياه الجوفية والسطحية (حتى عام 1998) ولكنها أشرت زيادة في رسوبيات القنوات المائية القريبة من الحدود الجنوبية الغربية مما يؤكد انتشار التلوث الإشعاعي باتجاه الكويت والسعودية.
3 . أصبح 31% من الثروة الحيوانية (المواشي) معرضة إلى التلوث الإشعاعي.
4. أما بالنسبة للتأثيرات الصحية فقد شهد عام 1991 وفاة (50) ألف طفل عراقي مصابين بمختلف الأمراض ومع مرور الوقت بدأت تظهر العديد من الأمراض المرضية والسرطانية والغامضة بين مختلف الفئات العمرية من كلا الجنسين .. وفي ضوء الإجراءات الصحية التي قام بها كاتب الدراسة مع مجموعة البحث العسكرية والطبية والعلمية لإيجاد العلاقة بين الأمراض السرطانية والغامضة والعامل المسبب (اليورانيوم المستنفد) في عموم البلاد بلغ عدد الحالات التي تم فحصها (1425) حالة سرطانية للعسكريين حيث أظهرت هذه النتائج وجود زيادة في الأمراض السرطانية عدة أضعاف عما كان عليه الواقع الصحي في العراق قبل الحرب وهذه الأمراض هي ( الغدد اللمفاوية - الدم - الرئة - الدماغ - الجهاز الهضمي - الخصية - العظام - البنكرياس - الغدد اللعابية - الكبد) مع ظهور حالات مرضية غريبة كالتشوهات الخلقية للأجنة بوجود أعضاء أضافية غير طبيعية أو ضمور بعض الأعضاء وولادات حية برأس منتفخ ومتورم مع الإصابات في العين وظهور حالات من التوائم المنغولية غير الطبيعية إضافة إلى تشوهات العظام وحالات الصداع الشديد وأمراض العقم غير المفسرة لكلا الجنسين وزيادة حالات الإسقاط والولادات الميتة والمبكرة وعسر الولادة.. وهذا يعني تعرض القطعات العسكرية والسكان المدنيين الذين كانوا متواجدين أو يسكنون في جنوب العراق وبالملايين إلى نسب معينة من هذا الإشعاع السام والخطير والذي ستظهر آثاره بعد عشرات السنين مما سيشكل مأساة حقيقية ومروعة لهم ولذويهم كونه ينتقل عبر الجينات البشرية ومن الزوج إلى الزوجة والى الأطفال .

ويمكن الاستنتاج مما تقدم ما يلي:
1 . أن حرب ما تسمى حرب تحرير الكويت كانت أول حرب تستخدم فيها أسلحة اليورانيوم المستنفد ولن تكن الأخيرة
2. إن الانتشار السريع لأسلحة اليورانيوم المستنفد بين الدول سوف يساوي إلى حد ما بين قدرات المتنازعين في ميادين القتال وبذلك قد تخسر الولايات المتحدة التفوق الذي تتمتع به الآن في هذا المجال.
3. فشل جميع المراهنات الأمريكية والصهيونية الكامنة وراء استخدام هذه الأسلحة المحرمة في تحقيق أهدافها الخبيثة للنيل من مقاومة شعبنا وتماسكه ووحدته ..
4 . إن الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الإشعاعية وغير المبرر عسكريا يتعارض مع الادعاءات الأمريكية البريطانية بأن الأسلحة التي استخدمت كانت تقليدية وأن الحرب كانت نظيفة مما يمكن اعتبارها جرائم حرب وإبادة جماعية بشعة يعاقب عليها القانون الدولي استنادا إلى اتفاقية لاهاي الأولى عام 1899 والثانية عام 1907 واتفاقيتي جنيف الأولى عام 1925 والثانية عام 1949 ومبادىء ميثاق (نورنبرغ) عام 1945 وكذلك بموجب قواعد القانون الدولي والإنساني..
ان كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا قد قبل بهذه المبادىء وهي مثبتة في الدليل الاسترشادي للجيش الأمريكي تحت عنوان (قانون الحرب البرية) لعام 1956 لذلك فأن هاتين الدولتين هما المسؤولتان عن المعاناة الإنسانية التي يتكبدها الجيل الحالي في العراق والأجيال القادمة أيضاً..
وفي الختام علق الباحث : بعد ثمانية سنوات على هذه الجرائم بدأت تظهر في العراق آلاف الحالات السرطانية والتي كنا قد نبهنا عنها سابقا وحذرنا من مغبة التواطيء في معالجتها والعمل مع المنظمات الدولية لإزالة آثارها ، لكن الحقائق الجديدة التي تكشفت منذ احتلال العراق كانت مخيفة فعلا لان آثار الأمراض بدأت تظهر تباعا على الأشخاص الساكنين بالقرب من المناطق التي تعرضت للقصف منذ العام 1991 في جنوب العراق ووسطه خاصة ، وحسب كمية الجرعة الإشعاعية التي دخلت أجسام أبناء الجنوب والوسط لا في أجساد رموز النظام البعثي في وقت توقفت كل إجراءات المعالجة وتوفير الأدوية الخاصة بهذه الأمراض مثلما توقفت جهود المنظمات الدولية المتخصصة في متابعة أعمالها التي كانت قد بدأتها قبل الاحتلال ، وقد جاء في آخر المعلومات والتقارير الصحفية العالمية وتصريحات بعض المسئولين العراقيين أن الولايات المتحدة استخدمت في غزو العراق عام 2003 أضعاف ما استخدمته من أسلحة اليوارنيوم المنضب وأسلحة الدمار الشامل التعبوية الأخرى عام 1991 ، وهذا يعني تضاعف حالات الإصابة بالأمراض التي أشارت إليها التقارير مما ينذر بكوارث صحية وبيئية خطيرة إن لم تتخذ الإجراءات الفورية من قبل الحكومة العراقية وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية و منظمة الطاقة الدولية لمعالجة هذه الكارثة من جميع جوانبها الصحية والبيئية والإنسانية وإلا فان الأجيال الحالية والقادمة ستعاني من آثارها المأساوية الكثير والتي بدأت تتزايد كما أعلنتها وسائل الإعلام ومسئولين عراقيين في مدن البصرة والناصرية والعمارة ومناطق العراق المختلفة.. هذا عدا عن مطالبة المحتلين بالتعويضات عن جرائمهم ضد الإنسانية وتعويض المتضررين صحيا ومعنويا وماديا ..

 

المصدر: وكالات انباء

اترك تعلیق

آخر الاخبار