ويبلغ وزن اليورانيوم في كل قذيفة من هذه القذائف (5ر8) غم.. أن هذا الحجم الهائل والكشف للأسلحة الإشعاعية المحرمة دوليا أو ما تسمى باليورانيوم المستنفد ومن مختلف الأنواع والعيارات التي استخدمت بوحشية مفرطة ضد الأهداف المدنية والعسكرية العراقية تسمح بتقدير مجموع وزن المستنفد من (350 ـ 400) طن وتقدر مصادر أمريكية متعددة أن مجموع الوزن الكلي لأعتده اليورانيوم المستنفد المستخدمة من قبل القوات الأمريكية والبريطانية ضد العراق بلغ (700) طن بما في ذلك كميات أسلحة اليورانيوم الهائلة التي تعرضت إلى التفجير والاحتراق في معسكر الدوحة غرب مدينة الكويت بتاريخ 11/7/1991.
وهذا يعني أن حجم التلوث الإشعاعي الذي تعرضت له مدن العراق الجنوبية بالخصوص يفوق التلوث الإشعاعي الناتج عن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وإذا أضفنا حجم وزن المقذوفات التقليدية التي ألقيت على العراق خلال حرب 1991 البالغة (141921) طن (والتي تعادل 7 قنابل ذرية من عيار هيروشيما) فلنتصور إذن حجم الدمار الهائل الذي تعرض له شعبنا المجاهد والذي ليس له مثيل في تاريخ الحروب
يذكر ان اليورانيوم المستنفد أو المنضب يتحرر من الأعتدة الحاوية له عندما يخترق الرأس الحربي سطح الهدف الصلب وتتحول طاقة اليورانيوم الحركية إلى طاقة حرارية وتنتج دقائق عالقة تحتوي على تركيز عال من اليورانيوم وتدخل جسم الإنسان بالطرق التالية:
2 . الجهاز الهضمي: عند احتراق خارق اليورانيوم يتحول جزء منه إلى دقائق تستقر على الماء والأغذية وتدخل ذرات اليورانيوم جسم الإنسان عند تناوله الأغذية والمياه الملوثة به عن طريق الجهاز الهضمي حيث تكون تأثيراتها مضاعفة لان اليورانيوم هو احد العناصر الثقيلة (السمية) بالإضافة لكونه عنصرا مشعا وبدخول اليورانيوم مجرى الدم ينتقل إلى كافة أعضاء الجسم ليتركز معظمه في الكلية والعظام مسببا سرطان العظام والكبد والكلية والدم.
وتعتبر الكلية من أكثر أعضاء الجسم حساسية لليورانيوم المستنفد بشكل عام فان تحديد الخطورة الناتجة عن التعرض للجرع الإشعاعية المتأتية من أشعة غاما بالذات يدخل فيها الكثير من العوامل التي لا يزال بعضها مجهولا، وتخترق ذرات اليورانيوم الجسم أيضا عن طريق الجلد الإصابات المباشرة ..
3 . التعرض المباشر واختراق الجسم كذرات دقيقة جدا : تدخل ذرات اليورانيوم الدقيقة كهباء جوي تخترق جسم الإنسان بشكل مباشر وتتسبب بنفس الأضرار التي تحدث في الحالتين الأولى والثانية ناهيك عن أضرار أخرى يتعرض لها الإنسان ومنها التأثيرات الوراثية من جراء تلف الخلايا التكاثرية والذي يؤدي إلى حدوث الطفرة الوراثية..
لقد تسبب الحجم الكبير من الأسلحة الإشعاعية التي استخدمت ضد الشعب العراقي لا النظام البعثي في إحداث تأثيرات كبيرة على الواقع البيئي والصحي في البلاد وتم إجراء العديد من الدراسات والبحوث للمناطق التي استخدمت فيها هذه الأسلحة بكثافة في ساحة العمليات الجنوبية وخاصة مناطق (حقل الرميلة الشمالية والجنوبية، مطار الشامية ، المنطقة المنزوعة السلاح بين العراق والكويت بما فيها منطقة جبل سنام وسفوان وأم قصر - منطقة السلمان - المياه الإقليمية) وقد توصلت هذه الدراسات التي اقترنت بزيارات للتحقق من الآثار الخطيرة لأسلحة اليورانيوم على الإنسان والبيئة والحيوان والهواء في المناطق التي تعرضت إلى القصف بهذه الأسلحة ، إلى تحقيق نتائج مخيفة ومرعبة تم عرضها على العالم والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام وأبرزها:
1 . وجود تلوث إشعاعي في المناطق المذكورة وقد شمل أيضا بعض النبات الطبيعي وعناصر السلسلة الغذائية.. ووجدت كذلك مساحة تقدر بحدود (1044800) مترا مربعا من التربة الملوثة تتعرض فيها أحياء التربة إلى تراكيز عالية من المواد المشعة.
2 . أما فحوصات المياه فلم تؤشر زيادة في تراكيز النظائر المشعة في المياه الجوفية والسطحية (حتى عام 1998) ولكنها أشرت زيادة في رسوبيات القنوات المائية القريبة من الحدود الجنوبية الغربية مما يؤكد انتشار التلوث الإشعاعي باتجاه الكويت والسعودية.
3 . أصبح 31% من الثروة الحيوانية (المواشي) معرضة إلى التلوث الإشعاعي.
4. أما بالنسبة للتأثيرات الصحية فقد شهد عام 1991 وفاة (50) ألف طفل عراقي مصابين بمختلف الأمراض ومع مرور الوقت بدأت تظهر العديد من الأمراض المرضية والسرطانية والغامضة بين مختلف الفئات العمرية من كلا الجنسين .. وفي ضوء الإجراءات الصحية التي قام بها كاتب الدراسة مع مجموعة البحث العسكرية والطبية والعلمية لإيجاد العلاقة بين الأمراض السرطانية والغامضة والعامل المسبب (اليورانيوم المستنفد) في عموم البلاد بلغ عدد الحالات التي تم فحصها (1425) حالة سرطانية للعسكريين حيث أظهرت هذه النتائج وجود زيادة في الأمراض السرطانية عدة أضعاف عما كان عليه الواقع الصحي في العراق قبل الحرب وهذه الأمراض هي ( الغدد اللمفاوية - الدم - الرئة - الدماغ - الجهاز الهضمي - الخصية - العظام - البنكرياس - الغدد اللعابية - الكبد) مع ظهور حالات مرضية غريبة كالتشوهات الخلقية للأجنة بوجود أعضاء أضافية غير طبيعية أو ضمور بعض الأعضاء وولادات حية برأس منتفخ ومتورم مع الإصابات في العين وظهور حالات من التوائم المنغولية غير الطبيعية إضافة إلى تشوهات العظام وحالات الصداع الشديد وأمراض العقم غير المفسرة لكلا الجنسين وزيادة حالات الإسقاط والولادات الميتة والمبكرة وعسر الولادة.. وهذا يعني تعرض القطعات العسكرية والسكان المدنيين الذين كانوا متواجدين أو يسكنون في جنوب العراق وبالملايين إلى نسب معينة من هذا الإشعاع السام والخطير والذي ستظهر آثاره بعد عشرات السنين مما سيشكل مأساة حقيقية ومروعة لهم ولذويهم كونه ينتقل عبر الجينات البشرية ومن الزوج إلى الزوجة والى الأطفال .
ويمكن الاستنتاج مما تقدم ما يلي:
1 . أن حرب ما تسمى حرب تحرير الكويت كانت أول حرب تستخدم فيها أسلحة اليورانيوم المستنفد ولن تكن الأخيرة
2. إن الانتشار السريع لأسلحة اليورانيوم المستنفد بين الدول سوف يساوي إلى حد ما بين قدرات المتنازعين في ميادين القتال وبذلك قد تخسر الولايات المتحدة التفوق الذي تتمتع به الآن في هذا المجال.
3. فشل جميع المراهنات الأمريكية والصهيونية الكامنة وراء استخدام هذه الأسلحة المحرمة في تحقيق أهدافها الخبيثة للنيل من مقاومة شعبنا وتماسكه ووحدته ..
4 . إن الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الإشعاعية وغير المبرر عسكريا يتعارض مع الادعاءات الأمريكية البريطانية بأن الأسلحة التي استخدمت كانت تقليدية وأن الحرب كانت نظيفة مما يمكن اعتبارها جرائم حرب وإبادة جماعية بشعة يعاقب عليها القانون الدولي استنادا إلى اتفاقية لاهاي الأولى عام 1899 والثانية عام 1907 واتفاقيتي جنيف الأولى عام 1925 والثانية عام 1949 ومبادىء ميثاق (نورنبرغ) عام 1945 وكذلك بموجب قواعد القانون الدولي والإنساني..
ان كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا قد قبل بهذه المبادىء وهي مثبتة في الدليل الاسترشادي للجيش الأمريكي تحت عنوان (قانون الحرب البرية) لعام 1956 لذلك فأن هاتين الدولتين هما المسؤولتان عن المعاناة الإنسانية التي يتكبدها الجيل الحالي في العراق والأجيال القادمة أيضاً..
وفي الختام علق الباحث : بعد ثمانية سنوات على هذه الجرائم بدأت تظهر في العراق آلاف الحالات السرطانية والتي كنا قد نبهنا عنها سابقا وحذرنا من مغبة التواطيء في معالجتها والعمل مع المنظمات الدولية لإزالة آثارها ، لكن الحقائق الجديدة التي تكشفت منذ احتلال العراق كانت مخيفة فعلا لان آثار الأمراض بدأت تظهر تباعا على الأشخاص الساكنين بالقرب من المناطق التي تعرضت للقصف منذ العام 1991 في جنوب العراق ووسطه خاصة ، وحسب كمية الجرعة الإشعاعية التي دخلت أجسام أبناء الجنوب والوسط لا في أجساد رموز النظام البعثي في وقت توقفت كل إجراءات المعالجة وتوفير الأدوية الخاصة بهذه الأمراض مثلما توقفت جهود المنظمات الدولية المتخصصة في متابعة أعمالها التي كانت قد بدأتها قبل الاحتلال ، وقد جاء في آخر المعلومات والتقارير الصحفية العالمية وتصريحات بعض المسئولين العراقيين أن الولايات المتحدة استخدمت في غزو العراق عام 2003 أضعاف ما استخدمته من أسلحة اليوارنيوم المنضب وأسلحة الدمار الشامل التعبوية الأخرى عام 1991 ، وهذا يعني تضاعف حالات الإصابة بالأمراض التي أشارت إليها التقارير مما ينذر بكوارث صحية وبيئية خطيرة إن لم تتخذ الإجراءات الفورية من قبل الحكومة العراقية وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية و منظمة الطاقة الدولية لمعالجة هذه الكارثة من جميع جوانبها الصحية والبيئية والإنسانية وإلا فان الأجيال الحالية والقادمة ستعاني من آثارها المأساوية الكثير والتي بدأت تتزايد كما أعلنتها وسائل الإعلام ومسئولين عراقيين في مدن البصرة والناصرية والعمارة ومناطق العراق المختلفة.. هذا عدا عن مطالبة المحتلين بالتعويضات عن جرائمهم ضد الإنسانية وتعويض المتضررين صحيا ومعنويا وماديا ..
المصدر: وكالات انباء