قبل ستة وستين عاما قامت الولايات المتحدة بإطلاق السلاح النووي الولد الصغير على مدينة هيروشيما (يوم الاثنين الموافق 6 أغسطس عام 1945م). ثم تلاها إطلاق قنبلة الرجل البدين على مدينة ناجازاكي في التاسع من شهر أغسطس, وكانت هذه الهجمات هي الوحيدة التي تمت باستخدام الأسلحة النووية في تاريخ الحرب.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من استخدم السلاح النووي في التاريخ ضد مدينة هيروشيما اليابانية الآهلة بالسكان من نساء و اطفال وشيوخ ورجال في مشهد كان بمنتهى القسوة والوحشية في ظل تزايد انتشار الأسلحة النووية وتعاظم القدرة التدميرية لها وإخفاق جهود العالم في كبح هذا الانتشار بسبب الفشل في إقناع القوى المتمسكة بهذا السلاح وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بعالم خال منه لايزال الرعب النووي يلاحق العالم.
في السادس والعشرين من شهر تموز عام 1945 اجتمع قادة الحلفاء بزعامة الرئيس الأمريكي هاري ترومان وأصدروا ما سمي إعلان بوتسدام الذي حدد شروط استسلام اليابان وقد تم تقديمه بمثابة بلاغ نهائي وإذا لم تستسلم سيهاجم الحلفاء البلاد لكن اليابان رفضت الإعلان عبر صحفها الرسمية في الثامن والعشرين من الشهر ذاته.
ونتيجة هذا الرفض تم اتخاذ قرار ضرب اليابان أوائل شهر آب بعد اجتماع بين الرئيس الأمريكي مع قادة الجيش بعد أن كانوا تبلغوا بأن القنبلة الذرية قد أصبحت جاهزة للاستخدام بعد اختبارها بنجاح في 16 من حزيران 1945 وتم الاتفاق بين الأغلبية على أن تكون الضربة مفاجئة حتى توقع العدد الأكبر من الخسائر.
وفي اليوم المحدد للعملية الموافق للسادس من آب عام 1945 أغار الطيران الأمريكي على وسط مدينة هيروشيما ملقيا القنبلة النووية المعبأة باليورانيوم والتي تزن أكثر من 5ر4 أطنان عند الساعة الثامنة والربع من صباح ذلك اليوم من ارتفاع 1980 قدما حيث كان معظم سكان المدينة في الشوارع متجهين لأعمالهم لتتحول المدينة بعد ثوانٍ قليلة إلى كومة من اللهب العملاق الذي دمر وحرق كامل محيط القنبلة البالغ 13 كيلومترا مربعا في أكبر تفجير عالمي معروف حتى ذلك الوقت أسفر عن سقوط نحو سبعين ألف قتيل أي نحو 30 بالمئة من عدد السكان ومثلهم من الجرحى الذين مات معظمهم لاحقاً متأثرين بالتسمم الإشعاعي الناتج عن التفجير وقد وصل ارتفاع سحب الدخان الناتجة عن الانفجار إلى ألف متر فوق سطح المدينة وبعد مرور نحو ساعتين على الانفجار سقطت أمطار سوداء شحمية في أماكن متفرقة من المدينة كانت بفعل اختلاط أبخرة الماء مع المواد المشعة.
ورغم إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما رفضت حكومة اليابان بقيادة الإمبراطور هيرو هيتو الاستجابة للإنذار الذي وجهه لها الرئيس الأمريكي ترومان بالاستسلام فأعطى الأخير أوامره بإلقاء قنبلة أخرى على مدينة ناغازاكي أدت إلى مقتل أكثر من 24 ألف ياباني وفي النهاية لم تجد طوكيو خيارا أمامها سوى الاستسلام بعد الخراب الذي لحق بها فاستسلمت للحلفاء في 14 من آب 1945 ثم وقعت وثيقة الاستسلام في الثاني من شهر أيلول في نفس العام.
ولم تقتصر أضرار القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما على وقت حدوث الانفجار بل امتدت الأضرار إلى سنين طويلة في مستقبل الأجيال بسبب استمرار التأثيرات الضارة الناجمة عن التلوث الإشعاعي فمن لم يقتلوا ساعة الانفجار مات معظمهم بعد ذلك بسبب تأثيرات الإشعاع الضارة التي تشير الدراسات إلى أن تأثيرها مستمر حتى اليوم وتتسبب في الإصابة بالسرطانات وإصابة المواليد بعيوب خلقية.
وقد قامت إحدى الجامعات اليابانية بدراسة آثار الإشعاع الناجم عن القنبلة فاتضح للباحثين أنه بين كل 4 مواليد من أبناء الجيل الأول لضحايا الكارثة يصاب واحد منهم بعيوب خلقية ولا يستطيع أحد في الوقت الحالي أن يقرر إلى أي حد من الأجيال سيستمر توارث آثار الإشعاع.
وسبب استهداف هيروشيما أنها كانت خلال الحرب العالمية الثانية مركزا صناعيا وعسكريا هاما لليابان حيث كانت قاعدتها العسكرية تستضيف نحو 100 ألف جندي إضافة إلى عدد كبير من المقاتلات ساهمت في تحقيق اليابان انتصارات هامة على الحلفاء في الحرب كما أنها إضافة إلى ذلك كانت مدينة كثيفة السكان يعيش بها عدد كبير من الناس تجاوزوا 250 ألف مواطن ما يعني إيقاع عدد أكبر من الخسائر البشرية.
وتصر مدينة هيروشيما على استذكار الجريمة الأمريكية سنويا من خلال الحفل الذي يقام كل عام في الميدان التذكاري للسلام الذي أنشئ في المكان الذي انفجرت فيه القنبلة وتحول إلى مركز لحركة السلام العالمية في حين أعاد الشعب الياباني بناء المدينة التي أمست لاحقا مقرا رئيسيا لصناعات السيارات والمعدات والسفن.
أما الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي فقد كشفت للمرة الأولى عن الحجم الإجمالي لترسانتها النووية العام الماضي واعترفت بما مجموعه 5113 رأسا حربية منشورة في وضع التشغيل في حين قال اتحاد العلماء الأمريكيين وهو جماعة غير ربحية إن الإجمالي لا يشمل الرؤوس الحربية التي أخرجت من الخدمة ومن المقرر تفكيكها كما تعد الولايات المتحدة من الدول التي لم تف بالالتزامات التي رتبتها اتفاقية منع الانتشار النووي بل عوضا عن ذلك مضت قدما بزيادة مخزونها النووي وبتشغيل مختبراتها من أجل البحث عن أنواع أكثر فتكاً كما أنها حولت اتفاقية السماح بانتقال التقانة النووية للأغراض السلمية إلى مظلة لأهدافها السياسية تمنعها عن بلدان لأنها لا تنسجم معها في سياساتها وتعطيها لبلدان لأنها حليفة لها وفي مقدمتها إسرائيل الوحيدة في المنطقة التي تعتبر نفسها فوق المجتمع الدولي وقوانينه وشرائعه والتي ترفض الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ولا تسمح للوكالة الدولة للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها النووية.
المصدر: وكالات انباء