تقرير: وسائل قوات الأحتلال الاميركية في الجهد الاعلامي والحرب النفسية في العراق

التقرير: ( مقدم الى سعادة السنتور آرنولد هيل والسادة أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي الموقر )
تحاول جريدة (بغداد الآن) التي تصدرها القوات الاميركية في العراق وتوزعها مجاناً في التقاطعات والشوارع، اختزال الوضع العراقي بكل تعقيداته، من خلال صفحات النجوم واخر صيحات الموضة في بيروت والكويت، وهناك القليل من الاخبارعن الجنود الاميركيين الذين يبلغ عددهم الان في العراق اكثر من 130 الف جندي.
إن هذه الجريدة هي خير مثال على خطل السياسة الإعلامية التي يديرها الأميركان في العراق، أو ما تطلق عليه السي آي أي حملة التضليل الإعلامي والحرب النفسية التي تشرف عليها شعبة خاصة يديرها العقيد فرانك هيلميك مقرها في المنطقة الخضراء.
 وفي الحقيقة فأن الكثير من السياسات الإعلامية العرجاء وتفكيك مشروع ما يسمى بشبكة الإعلام العراقية وتفريغه من محتواه وتشجيع ودعم الكثير من الفضائيات ومواقع الإنترنت التي تتخذ موقفاً معادياً من الحكم الجديد في العراق يعود الفضل فيه إلى تلك الشعبة المنسية، إذا ما أدركنا إنها من مخلفات حكم بريمر والطاقم الرئاسي للرئيس المنصرف بوش،
وعلى الرغم من المحاولات المتكررة التي بُذلت من أطراف ... مع طاقم الجنرال أوديرنو لحل هذه الشعبة وإحالة الملفات التي تتعاطاها إلى لجنة متخصصة من العراقيين والأميركان، إلا اننا لم نجد أذنا صاغية، كما إننا لم نعرف حتى الآن من هي الجهة في الإدارة الأميركية التي تشرف على تلك اللجنة.
وفي آخر تقرير سري صادر من شعبة المخابرات الأميركية المكلفة بمعالجة الوضع العراقي ذكر بان الجنود والشرطة العراقيين فخورون، لان القنوات التلفزيونية العراقية وغيرها تتسابق بنقل اخبار حملتهم لتخليص الشوارع من الاسلحة ومطاردة المجرمين. ويبدو العراقيون من كل الطوائف موحدين بهذا التصور والمتابعة، كما تحاول الحكومة العراقية اشاعة هذا التصور.
ويمتدح التقريرالسري الصادر عن شعبة المخابرات الأمريكية العملية الديمقراطية من دون الإشارة إلى تفكيك مشروع قانون الإعلام الوطني الذي عملنا من أجله شهوراً طويلة وصارعنا من أجل إقراره، كما يتجاهل عملية ربط شبكة الإعلام العراقي بمجلس الوزراء وتعيين حزمة من الأميين وغير المختصين في مجلس الأمناء، ويعد ذلك جزء من حملة الحرب النفسية الاميركية الهائلة للتأثير على سلوك العراقيين وتوجهاتهم. وإيهام صناع القرار في واشنطن بأن الخطط التي وضعتها الإدارة الأميركية تسير على نحو جيد.
 لذا نجد لزاماً علينا توضيح تلك التفصيلات إلى سعادة السيناتور أرنولد هيل والسادة أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي الموقر. بعد أن انفق المسؤولون العسكريون الاميركيون والمتعاقدون معه من الاميركيين والعراقيين واللبنانيين مئات الملايين من الدولارات على الاعلانات الساذجة والكتيبات عديمة الجدوى والفترات الاذاعية والتلفزيونية مدفوعة الثمن خلال السنوات الست الماضية بدعوى تلميع صورة الجيش الاميركي، وتهميش المتشددين والترويج للديمقراطية ورعاية المصالحة، كما أعتبرت تلك الإعلانات باهضة الثمن كجوائز ترضية لوسائل الإعلام المعادية للوضع العراقي الجديد متوهمين بأن مثل هذه التصرفات ستجعل من تلك الوسائل أصواتأً معارضة لتنشيط الديمقراطية في العراق.
 وقد صممت بعض الحملات لتشجيع العراقيين لقلب مواقفهم ضد المتمردين والتعاون مع القوات الاميركية وقوات الامن العراقية. وبعض الحملات الاخرى اظهرت القيم الديمقراطية والمصالحة الطائفية والكبرياء الوطنية .
 وفي بلد تجري القليل من الامور فيه بشكل جيد، وحيث قوات الامن لها سمعة متغيرة الالوان يبقى التوتر الطائفي كبيرا ، فقد بقى العراقيون يعزلون انفسهم بشكل كبير عن فيضان البروبغندا التي يعرفونها او التي يفترضون بانها تأتي من الحكومة الاميركية.
 وينفي المسؤولون الاميركيون الذين حاورناهم تقييمهم وادراكهم لفعالية انشطة الحرب النفسية في العراق. وقال ريشارد هولبروك المبعوث الخاص للرئيس اوباما الى الباكستان وافغانستان ، امام المشرعين الاميركيين مؤخرا ، بان الادارة الاميركية تعمل على خطة للاتصالات الاستراتيجية لذلك الاقليم والذي يسحب ادواته من دروس العراق. وابلغ هولبروك لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الشهر الماضي : (هذه منطقة خاضعة للمصادر، والخطة الاتصالية الاستراتيجية، التي تتضمن الاعلام الالكتروني والتلفزيون والاذاعة، ستتضمن خيارات حول افضل الطرق لمجابهة بروبغندا المتمردين والارهابيين).
 و بغداد الان ، ليست مصنفة بانها منشور للجيش الاميركي ، بالرغم من ان الجيش الاميركي يعترف بانها تصدر من قبل وحدة للعمليات المتعلقة بالحرب النفسية وتوزع بشكل حر على الجنود . والاعمدة التي تستند إليها اعداد المنشور متروكة في مدخل المنطقة الخضراء لكي يلتقط منها العابرون.
والعناوين الرئيسة في الاعداد الاخيرة، تزيد الترويج لقائد الشرطة الجديد في بغداد ، وتفيد بان تنفيذ الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة يتم بشكل مريح، وتبرز الجهود في وزارة الداخلية لمحاربة الفساد. واوضحت صورة نشرت على الصفحة الاولى تاجرا عراقيا داخل احد الشوارع وكما يبدو محتجا. وتحت الصورة التعليق الاتي : (قوات الامن تحمي حقك للتظاهر بشكل سلمي). وتضمن عدد اخر ، مصورا كارتونيا يظهر متمردا مشوها يترك العراق حيث اللاجئون المبتسمون يعودون الى العراق. ويستطيع أي متخصص بالإعلام أن يدرك بأن مثل تلك الأساليب الترويجية محكومة بالسذاجة والمباشرة، كما أن المسؤوليين عنها ليسوا صحفيين محترفين لانهم يفعلون ذلك بالطريقة نفسها التي كان النظام السابق يقوم بها في صحفه.
وحسب مسؤول عسكري اميركي يعمل معنا في لجنة التنسيق والدعم، فان الجنود العراقيين في موقعه يسخرون من تلك الحملات وهم اكثر اهتماما بالإعلام المستقل الذي تمثله بعض الصحف والمواقع الإلكترونية. وخلال السنوات المبكرة للحرب ، كانت معظم الحملات الاميركية مرتبطة بشكل وثيق باهداف عسكرية محددة، مثل الطلب من الناس التعاون حينما يفتش الجنود بيوتهم.
 أما في السنوات الاخيرة من الحرب، فقد اصبحت تلك الحملات اكثر تعقيدا واصبحت تخوض في الموضوعات العميقة التي تدخل في اطار الاهداف الاميركية من دون الإلتفات إلى خطورتها على الوضع العراقي الجديد ومستقبل العراق .
 وفي سنة 2004 انتشر فن تغطية الفضائح والتعسفات التي جرت في سجن ابو غريب، ومجابهة ردود الأفعال الغاضبة والمتمردة، فقد رعت ومولت لجنة العقيد هيلميك مشروعات علاقات العامة مكلفة للغاية، من أجل تحسين صورة القوات الأميركية. واحد هذه المشروعات ما كان يسمة وقتها بمجموعة لنكلولن الموجودة في ارلغنتون، التي تعرضت للهجمات والآنتقادات اللاذعة لانها دفعت في العام 2005 ما مجموعه 25 مليون دولار لعدد كبير من الصحف العراقية لنشر القصص المفبركة والمكتوبة من قبل ضباط في الجيش الاميركي. وقد أطلق ذلك المشروع الترويجي حملة أعتقد وقتها المسؤولون العسكريون بانها مصممة بطريقة دقيقة لكي تظهرمعها تلك المقالات والقص وكأنها مبادرات عراقية من وحي كتابها. !
وأعتقد هؤلاء المسؤولون بان تلك الحملات سمحت لهم بمجابهة مجموعات المتمردين التي تصدر في الغالب افلام فديو تتميز بانتقاد الوجود الاميركي في العراق وتظهر هشاشة قوته العسكرية . كما أن البروبغندا التي صدرت من مجموعة تسمي نفسها جمعية عراق الغد، أصبحت مباشرة ومفضوحة في كل مكان، ويقول الموقع الالكتروني – المتصف بالمكر- للمجموعة بانه (مستقل وليس منظمة حكومية ، ويضم عددا من الاكاديميين ورجال الاعمال ، والناشطين والذين يشتركون في الاعتقاد الراسخ بالحرية والتقدم لكل شعب العراق)، ولا يضع الموقع اسماء لاعضاء او عنوانا للاتصال به، سوى عنوان بريدي عام على الانترنت.
 ويرفض الجيش الاميركي التعليق حول نسبة هذه المجموعة اليه، على الرغم من أن معظم الناس يعتقدون انها بروبغندا اميركية مباشرة ومكشوفة. وحسب مايكا همرسفيلد، استاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، فان تلك الحملات تتعرض للسخرية في العالم العربي، وإنها تتميز بالسذاجة والمباشرة وتشبه إلى حد ما الصوت المحدود الذي كانت تمثله دعاية صدام وماكنته الإعلامية الخاصة.
وتظهر احدى الحملات التلفزيونية التي انتجت في العام 2004 تحت عنوان (يمضون ونبقى) التي تصدر عن مجموعة عراق الغد، والتي كلفت وحدها ما يقرب من النصف مليون دولار، تظهر خطا طويلا من العربات العسكرية الاميركية وطائرات الهليكوبتر تختفي في الافق ، ومجموعة صغيرة من الاطفال العراقيين يراقبون كما لو ان قوة عسكرية تختفي ، ولثوان معدودة قليلة، فانهم يظهرون حذرين، وبعدها يضحك الاطفال ويبدأون بلعب كرة القدم.
 ولعل ما ينطبق على تجربة عراق الغد، يتجلى أيضاً في تجربة جريدة ... بعد أن شجعت مجموعة العقيد هيلميك أحد الصحفيين (......) على الإنشقاق من الجريدة وتأسيس جريدة منافسة سرعان ما تحولت بدورها إلى بوق للحكومة وبعض المتنفذين من الأحزاب الحاكمة، لقد مولت المجموعة الصحفي المذكور بربع مليون دولار دفعت له على شكل إعلانات ومنح ضناً منها أنها تعالج قضية انهيار مشروع الإعلام المستقل المتمثل بشبكة الإعلام العراقية بعد سيطرة الحكومة عليها،
وهكذا يستمر خطل السياسة الإعلامية التي يقودها العسكريون الأميركيون في العراق من خلال معالجة الخطأ بخطأ آخر ومن دون أستراتيجية واضحة، وهذا الإعتقاد الخاطئ هو نفسه الذي يدفعهم اليوم لتمويل عدد كبير من الفضائيات والمواقع العراقية والعربية التي تعادي بشكل مكشوف التجربة الديمقراطية الواعدة في العراق،
فقد عمدت تلك اللجنة في العام 2004 إلى إطلاق حملة إعلامية كبيرة لإنتاج مئات المواد الإعلانية المباشرة والساذجة التي تنتج وما تزال في بيروت بواسطة شركة وهمية للإنتاج الإعلامي أسسها على عجالة صهر رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي اللبناني الجنسية وحولت اللجنة المذكورة إلى حسابها ما يقرب من المائة وخمسين مليون دولار دفعة واحدة على الرغم من أنة تلك الشركة الجديدة لم يمض على تأسيسها أكثر من ثلاثة أسابيع، وفق عقد بين اللجنة والشركة المذكورة أمده خمس سنوات أنتهت في 26 مارس- آذار الماضي، إلا أن الغريب في الأمر أن اللجنة قامت من جديد بدفع خمسة عشر مليون دولار للشركة المذكورة في شهر فبراير- شباط الماضي، أي قبل أنتهاء مدة العقد بشهر واحد فقط، الأمر الذي من شأنه أن يثير الشكوك في صدق النوايا وصواب السلوكيات التي تنتهجها لجنة الإعلام والحرب النفسية،

انتهى

 

 
المصدر: الجيران

اترك تعلیق

آخر الاخبار