بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
يتقدّمُ مجلسُ التعبئةِ الثقافيةِ بأحرِّ آياتِ العزاءِ إلى مقامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ فرجَهُ)، وإلى الأمةِ الإسلاميةِ، بذكرى شهادةِ الصديقةِ الطاهرةِ فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلامُ)؛ الشهادةِ التي تختصرُ ذروةَ معركتِها في حمايةِ القيمِ وصيانةِ حريمِ الرسالةِ، وتكشفُ عظمةَ موقفِها حينَ وقفتْ وحدَها أمامَ موجِ الانحرافِ لتبقى بوصلتُها مشرعةً على الحقِّ.
إنَّ هذهِ الذكرى ليستْ حدثًا تاريخيًا نمرُّ عليهِ، بل درسٌ يعيدُ للأمةِ وعيَها، ويذكّرُها بأنَّ النهضةَ تبدأُ من تطهيرِ الداخلِ قبلَ مواجهةِ الخارجِ، ومن صيانةِ القيمِ قبلَ أيِّ شعاراتٍ أخرى، فقدْ خاضتِ الزهراءُ (عليها السلامُ) معركتَها الأخلاقيةَ بعمقٍ يفوقُ حدودَ الزمنِ، لأنها كانتْ تعلمُ أنَّ سقوطَ القيمِ أخطرُ من سقوطِ الجدرانِ، وأنَّ الانحرافَ يبدأُ حينَ يضعفُ وعيُ الأمةِ وتستسلمُ للمظاهرِ بدلَ الجوهرِ.
وفي هذا السياقِ، ومعَ ما شهدتْهُ أيامُنا الأخيرةُ من مظاهرَ لا تنسجمُ معَ روحِ الحياءِ والعفّةِ — حيثُ اندفعتْ بعضُ العوائلِ إلى تقديمِ بناتِها في أجواءٍ لا تليقُ بكرامةِ الطفولةِ — نرى بوضوحٍ كيفَ تُدارُ معركةُ الوعيِ اليومَ بأساليبَ ناعمةٍ تستهدفُ بنيةَ الأسرةِ وتفككُ حصونَها الخلقيةَ.
إنَّ تحويلَ الأبناءِ إلى “محتوىً” يُستهلكُ هو أحدُ أخطرِ أدواتِ الحربِ الإدراكيةِ التي تسعى لإزاحةِ القيمِ من وجدانِ الأجيالِ، واستبدالِ الهويةِ بمعاييرَ هشةٍ صاخبةٍ.
وهنا تبرزُ الزهراءُ (عليها السلامُ) بصورتِها الخالدةِ: قدوةً تبني الوعيَ قبلَ السلوكِ، وترفعُ معيارَ الكرامةِ فوقَ كلِّ اعتبارٍ، وتعلّمُ الأمةَ أنَّ حفظَ نقاءِ البيتِ هو حفظٌ لرسالةِ السماءِ.
والمجتمعُ الذي يبتعدُ عن قدوتِهِ يفقدُ حصانتَهُ، كما يفقدُ بوصلتَهُ الأخلاقيةَ التي تُميّزُ بينَ الفرحِ النقيِّ والانزلاقِ المموّهِ.
ومن هذا المنطلقِ، يدعو مجلسُ التعبئةِ الثقافيةِ إلى أنْ تكونَ هذهِ الذكرى محطةً لإعادةِ ضبطِ اتجاهاتِ الوعيِ، وتحصينِ الأسرةِ، واستلهامِ شجاعةِ الزهراءِ (عليها السلامُ) في مواجهةِ موجاتِ التشويشِ القيميِّ التي تستهدف المجتمعَ ببطءٍ وثباتٍ، فالزهراءُ مأتم مظلومية يُقامُ، ووعي يُستعادُ، وخط يُتّبعُ، ومنهج يحفظُ للأمةِ روحَها.
السلامُ على فاطمةَ يومَ وُلِدتْ، ويومَ استُشهِدتْ، ويومَ تُبعثُ حيّةً.
مجلس التعبئة الثقافية
24 تشرين الثاني 2025 ميلادية
الموافق 3 جمادى الآخرة 1447 هجرية






