بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائدنا ونبينا محمد الأمين، وأهل بيته الطيبين الطاهرين، ورضيَ الله على صحبه الأخيار المنتجبين، وعباده الصالحين والشهداء والمجاهدين.
في البدء نودّ أن نوصّف فترة الحكم للعقدين الماضيين بما لها من أهمية في تحديد شكل المرحلة المقبلة، فمنذ احتلال العراق سنة 2003 صودر القرار العراقي بشكل كامل من قبل قوات الاحتلال، فقد عُيّن الحاكم العسكري (غارنر)، وبعده (بريمر) ثم جِيء بــ (زلماي) حاكمًا بعنوان سفير، وكانت كل مقدّرات الدولة بيدهم، وبالأخص في مجالي الأمن والمال، فعاثوا في العراق فسادًا وطائفيةً، بل أسّسوا لكل أشكال الفساد التي كانت غريبة عن مجتمعنا، ولم تستطع الحكومة القيام بواجباتها، وقرارها مُصادر.
بعد عودة القرار العراقي بيد أبنائه عام 2013، اتّسمت هذه المرحلة بالكثير من الإرهاصات، حيث بدأت ساحات الاحتجاج في المناطق الغربية بتخريب الواقع الوليد القائم، وبدعم من أعراب الخليج وتركيا، كان مؤدّاها سقوط ثلث العراق بيد هذه الدول ومن خلفهم أمريكا تحت مسمّى داعش، التي خرّبت ودمّرت واستنزفت مقدّرات البلاد إلى نهاية سنة 2017، إذ نهضت الحكومة الخامسة حينها بأعباء إعادة الإعمار من خلال الاتفاقية الصينية واتفاقيات أخرى مهمة للغاية، وفرض الأمن، وإعادة تأهيل الأجهزة الأمنية وتسليحها.
فأوحت تلك الدول -وانضمّ إليها الكيان الصهيوني بشكلٍ شبه مباشر-إلى (هوامّ الأرض) ليعيثوا في البلاد فسادًا وخرابًا من خلال ما يُسمّى بـ(ثورة تشرين)، إذ لم تستمر تلك الحكومة أكثر من سنة واحدة، ليأتوا بمؤامرة خبيثة بأحد المشاركين -محسوب على الشيعة- في الأحداث السلبية التي مرّت على البلاد، لكنه أداة بيد دول الشر، لتكون مرحلة انتقالية فاشلة أرجعتنا إلى الوراء.
أما الحكومة الأخيرة التي تشكّلت منذ عام 2022 إلى اليوم، فكانت حكومة الإطار التنسيقي، وبكامل إرادته وإدارته، حيث دُعمت وفُتحت لها الميزانيات والمعنويات على مصراعيها، لتنتج ما نراه اليوم.
إذن، الواقع أن الشيعة لم يحكموا سوى ثلاث سنوات قد تزيد سنة ونصفاً متقطّعة، وقد نجحوا في تقديم نموذج جيد للحكم العادل والمنتج والآمن، في نهج منصف ورؤوف وأبويّ، وهذا النجاح يُحسب – بلا أدنى شك – للإطار التنسيقي والمقاومة الإسلامية والحشد الشعبي، فلولا تأييدهم ودعمهم اللامحدود، لما جلس رئيس الوزراء وحكومته على طاولة الحكم والإدارة.
وهنا يجب أن نلتفت إلى أمرٍ آخر، وهو أن الخلافات بين المكوّن الواحد – مهما كبرت – تبقى تحت سقوف ضامنة، وهي المرجعية الرشيدة، والقانون، والعُرف، والأرحام، أما خارج المكوّن فهذه الخلافات تكون خطرة، إذ تأخذ بعدًا عقائديًا يصل إلى التكفير ومحاولة حذف الآخر من الخارطة، وتزداد خطورتها في مجتمعنا لأن الطرف الآخر يحمل حقدًا ساديًا عميقًا، ولن ينتهي في المدى المنظور، فخذوا حذركم يا أولي الألباب، فإن تمكّنوا منكم سيسحقونكم بحوافر خيلهم.
والظاهر أن الطريق الأفضل والأكثر مقبوليةً شعبيًا، بل قد يرقى إلى الشرعية هو التوجّه إلى الانتخابات التي تُثبت أركان الحكم في البلاد.
وهنا ندعو علماء الدين الأفاضل، وأرباب المواكب الحسينية الكرام، وشيوخ العشائر الأصيلة، والعوائل العراقية الأبيّة، وأمّهات وأخوات وبنات الشهداء المصونات، والأمّهات المباركات، والإخوة في الأجهزة الأمنية رفاق الدرب والسلاح، والحشد الشعبي، إلى المشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات الاستثنائية، إبراءً للذمّة، وحفظاً للأمانة، ودرءاً للفتن والحروب.
وختامًا نوصي بعدم التجريح أو التخوين أو التوهين بين الأشقّاء المتنافسين، فكلّكم تدركون أنكم ستلتقون مرةً أخرى، فهوّنوا مما يعمّق الجراح ويُسوّد القلوب، فالنتيجة معلومة: إن الحكومة القادمة – من ألفها إلى يائها – ستتشكل على طاولة الإطار التنسيقي، وبإسناد من المقاومة الإسلامية والحشد الشعبي وأبناء الشعب الغيارى.
(سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)
الأمين العام لكتائب حزب الله
الحاج أبو حسين الحميداوي
15 جمادى الأولى 1447 هـ
6 تشرين الثاني 2025 م





