بدأ الاحتلال الامريكي في مطلع عام 2011 بالمراوغة والتحايل لإبقاء أعدادا من قواته بعد انتهاء اتفاقية الانسحاب المبرمة مع الحكومة العراقية ، وأكد ذلك مسؤولون عراقيون بتصريحاتهم الى وكالات الانباء اذ قال النائب محمود عثمان حينذاك " أن الأمريكيين يمارسون ضغوطا على الأكراد بهدف إقناع باقي الكتل بتمديد بقاء قواتهم بالعراق. واضاف عثمان "أن الجانب الأمريكي يضغط على الكرد وبعض الكتل التي يعتبرونها مؤثرة بهدف إقناع الآخرين بتمديد بقاء القوات الأمريكية، معتبرا الحديث عن عدم وجود ضغط أمريكي بهذا الاتجاه بأنه أمر غير صحيح".
من جهته كشف النائب جواد الحسناوي أن "هناك ضغوطات تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية لبقاء جزء من قواتها في العراق بعد الانسحاب بحسب الاتفاقية الأمنية، وهذا يخالف مطالب الشعب العراقي بكل أطيافه, الرافضة لبقاء أي جندي أمريكي بحلول نهاية العام الحالي 2011".
وفي السياق ذاته شدد القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي صدر الدين القبانجي في خطبة له على،" ضرورة إنهاء التواجد الأمريكي في العراق، معتبرا أن "بقاء تلك القوات على الأرض العراقية لا مبرر له، مشيرا الى أحقية الشعب بالتظاهر, ورفض الوجود الأمريكي"، مؤكدا أن "بقاء الوجود الأجنبي على ارضنا (لا يزيدنا إلا جنونا)".
من جانب اخر علق سماحة السيد نصر الله متسألا ، " ان مريكا التي جاءت وتحملت هذا الحجم الهائل من الخسائر البشرية والمالية والاقتصادية، هل من المعقول أنها وبهذه البساطة خارجة من العراق ؟! الجواب أكيد لا.
أمريكا الخارجة من العراق، المهزومة في العراق، يجب أن تفعل شيئاً ما. وقال سماحته في احتفال يوم الشهيد 2011 ، " امريكا غير قادرة ان تنسحب تحت النار العسكرية ، لذا تريد ان تعمل دخاناً وغباراً وضباباً وأن تنسحب تحت النار السياسية والإعلامية، وهذا اسمه تهويل على المنطقة وحرب في المنطقة واعتداء على ايران وسوريا حتى يصبح اهتمام العالم كله والمنطقة كلها وشعوبها مركزاً على هذا النوع من التوقعات والأحداث، ويصبح خبر الإنسحاب الأميركي والهزيمة الأميركية في العراق خبراً عادياً بل مغفولاً عنه ولا يبقى في صدارة الأحداث. وهنا مسؤولية القيادات السياسية والجهات الإعلامية كلها أن تسلط الضوء على هذا الإنسحاب وعلى هذه الهزيمة لأن لها آثار ونتائج استراتيجية وتاريخية على كل صعيد معنوي ونفسي وسياسي وعسكري على منطقتنا ومستقبل منطقتنا.
أما المقاومة الاسلامية في العراق فقد كانت واعية للاحتلال وتحايله في المواقف فسبقت التحليلات وبدأت بتنفيذ سياسيتها الجديدة في مقاومة العدو واستبشرت الكتائب حينها بالنصر الاكيد لشعبنا والهزيمة والانكسار للعدو فكانت انطلاقة المرحلة الجديدة يوم 3-1-2011 حينما دك سلاحي الكرار والاشتر المتطور قاعدة كالسو شمال الحلة وقواعد سليَر وفكتوري وليبرتي في بغداد وقد اصدرت قيادة الكتائب حينها بيانا قالت فيه:- على كل أمريكي في العراق أن يعتبر نفسه تحت نيران أبناء الكتائب متى مـا أرادو انقضوا عليـه, فقد تمكنا ان نتحكم بعنصري المفاجأة وزمام المبادرة، وسنذيق قوات الاحتلال من كأس الموت الزؤام الذي لا زالت تتجرعه غصةً بعد غصة. واضاف البيان "هذه المرحلة ستكون إن شاء الله مرحلة الالتحام بالعدو، فنحن بالأشتر والكرار وذو الفقار وعبواتنا وصواريخنا سنجعل الاحتلال بكل جبروته وطغيانه يصغي لصوت الحق صاغراً مذعناً بإذن الله تعالى".
وتوالت ضربات المقاومة المميتة للاحتلال الواحدة تلو الاخرى تستهدف ألياته بالعبوات المتطورة وقواعده بالصواريخ التقليدية وكانت ضربات الاشتر في صدارة تنفيذ المرحلة الجديدة لطرد المحتل منهزما مذلولا ، فكان تدمير قاعدة الاحتلال في بغداد-البلديات 6-6-2011 بسلاح الاشتر درسا كبيرا لقوات الاحتلال سقط خلالها العشرات من جنوده بين قتيل و جريح، وفي يوم 29-6-2011 نفذت المقاومة الاسلامية هجومها المباغت على قاعدة شاكر الواقعة في مدينة بدرة في واسط , وأوقع بالعدو الخسائر الفادحة وقد اعترف العدو رسميا بمقتل ثلاثة من جنوده, ليصبح العدد الكلي المعترف به رسميا من قبل الاحتلال هو تسعة جنود قتلوا بهجمات كتائب حزب الله من اصل خمسة عشر جندياً قُتلوا في الشهر السادس من 2011.
ومنها بدأ نهيق قادة الاحتلال واستغاثاتهم تخرج من دائرة الغرف المغلقة الى دوائر الاعلام فنقلت التقارير الامريكية والغربية ،"ان الـ IRAM (سلاحي الاشتر والكرار) سيبقى التهديد الجدي والمتطور للقوات الامريكية للمستقبل المنظور".
ونشرت واشنطن بوست حينها تقريرا قالت فيه :- إن اتساع استخدام القنابل الصاروخية في العراق يمثل تحدياً جديداً قاتلاً للقوات الامريكية المحتلة. إن الهجمات بالـ IRAMs لديها القدرة على قتل العشرات من الجنود في آن واحد".
واضاف التقرير ما قاله الكولونيل وليام هيكمان ، قائد فريق اللواء القتالي الثاني من الفرقة المجوقلة 101، العاملة في بغداد،"إن هجمات IRAMs يمكن أن تكون مأساوية جداً ضدنا، وأضاف ان (المقاومة الشيعية المسلحة) تمتلك أسلحة فتاكة ومتطورة تحارب فيها قوات بلاده ومضى قائلا :- انها اسلحة ذات تكنولوجيا عالية … تقتل جنودنا. وإن بغداد على علم بالمخاوف الامريكية.
يشار الى ان وزير الدفاع الامريكي السابق روبرت جيتس اعترف في مؤتمر ( شانغري- لا" الامني - سنغافورة) في وقت سابق، قال: ان قتال الجيش الامريكي المستمر في العراق وافغانستان منذ عشر سنوات ادى الى اجهاد القوات البرية الامريكية ونفاد صبر الناس ". بحسب رويترز
ونشرت وكالة "اسوشيتد برس" تقريراً نقلت فيه تصريح للعقيد "ريجنالد ألن قال:- نحن نشعر بقلق بالغ حيال تصاعد هجمات الفصائل المسلحة الشيعية في مناطق يصعب السيطرة عليها", مشيراً الى ان قواته فقدت خمسة جنود في نيسان / أبريل , اثنان منهم في محافظة بابل وآخر في القادسية بنيران القصف الصاروخي ، وقتل أكثر من اثنين في انفجار عبوة ناسفة على آلية امريكية في محافظة واسط ، وأكد التقرير ," ان هذه الخسائر من اعلى مستويات خسائره في العراق منذ انسحاب القوات الامريكية من المدن في يونيو 2009. واضاف التقرير," ان هجوم الصواريخ والعبوات الخارقة للدروع لا تزال تهدد حياة جنود الولايات المتحدة في العراق, وتُقيد من تحركات ارتالها في جميع أنحاء البلاد.
وبعد ان أفرت اسلحة المقاومة - الاشتر والعبوات الصواريخ وغيرها - لحوم جنود الاحتلال بدمائهم, وأوقعت بهم القتل والتدمير, ولم يجدوا منجى ولا حصن يقيهم من نيران غضب المقاومة الاسلامية التي ألتهمتهم التهاماً, وجاءت لهم بالعذب من حيث لا يشعرون, أوفدت الادارة الامريكية وفداً برئاسة "دان روهارباشر" بعد عملية البلديات, من الكونغرس يستجدي الحكومة العراقية تعويضات خسائر جيشهم المتزايدة في الآونة الاخيرة, التي وضعت الولايات المتحدة في ازمة مالية جدية جدا, نتيجة النفقات العسكرية الضخمة في العراق والتكاليف الباهضة في الاستحداث المستمر للاجراءات الوقائية لحماية جنود وآليات الاحتلال من ضربات المقاومة الاسلامية في العراق.
وصرح الجنرال راي أوديرنو يوم 8-9-2011 بما يناقض تحذيراته السابقة من خفض القوات الأميركية بشكل كبير في العراق ،اذ قال أوديرنو " علينا الانتباه إلى ضرورة عدم ترك الكثير من الجنود في بلد لا تزال تسوده مشاعر الاستياء من الأميركيين ".
يذكر ان الولايات المتحدة الامريكية لم تصل الى قناعة ضرورة ترك العراق الا بعد انكسارهم وعجزهم من تحمل ضربات المقاومة الاسلامية في العراق التي حولت قواعدهم الى ركام ،وبعد تفهمهم الى عدم إمكانية زيادة تدريع آلياتهم التي تعالجها عبوات المقاومة القابلة للتطور مهما زادت من تدريع الذي بدونه لا يمكن حماية جنودهم فكان قرارهم المتأخر بضرورة الانسحاب من العراق بمواعده المقرر ودون تمديد لحفظ ماء وجه امريكا .
المصدر: وكالات انباء+موقع كتاب حزب الله