بذكرى استشهاد الإمام الجواد.. كتائب حزب الله : الوقوف بوجه الباطل واجب لا يؤخر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾

فِي مِثلِ هذِهِ الأَيَّامِ، تَتَوَشَّحُ أَرْواحُنا بِالحُزْنِ، وَنَنْحَنِي إِجْلالًا لِذِكرى شَهادَةِ الإِمامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الجَوادِ (عَلَيْهِ السَّلامُ)، تاسِعِ أَقْمارِ الإِمامَةِ، وَسَلِيلِ بَيْتِ الوَحْيِ وَالعِصْمَةِ، الَّذِي اكْتَمَلَ فِيهِ النُّورُ رَغْمَ قِصَرِ السِّنِينَ، وَامْتَدَّ أَثَرُهُ فِي الأَجْيالِ رَغْمَ شَراسَةِ الطُّغْيانِ.

لَقَدْ مَثَّلَ الإِمامُ الجَوادُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) تَجَلِّيًا مُدْهشًا لِلبَرَكَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي أَوْضَحِ صُوَرِها، لا فِي المالِ وَالعَطاءِ وَحْدَهُ، بَلْ فِي كُلِّ مَقامٍ مِن مَقاماتِ العِلْمِ، وَالإِمامَةِ، وَالهِدايَةِ.
فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ بِهِ لِلعالَمِ كَيْفَ يُمكِنُ لِصَبِيٍّ فِي الثّامِنَةِ مِن عُمْرِهِ أَنْ يُبْهِتَ كِبارَ العُلَماءِ، وَأَنْ يَحْمِلَ رايَةَ الإِمامَةِ كَما حَمَلَها آباؤُهُ العِظامُ.
وَكانَ (عَلَيْهِ السَّلامُ)، كَما وَصَفَهُ المُؤَرِّخُونَ، أَوْسَعَ النّاسِ عِلْمًا، وَأَشَدَّهُمْ جُودًا، وَأَكْثَرَهُمْ نَفْعًا لِأُمَّةِ جَدِّهِ المُصْطَفَى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ).

وَلَمْ يَكُنْ عِلْمُهُ مُكْتَسَبًا مِن مُعَلِّمٍ، بَلْ كانَ فَيْضًا رَبَّانِيًّا، تَنْطِقُ بِهِ حُجَجُ السَّماءِ.
فَفِي كُلِّ مُناظَرَةٍ خاضَها، وَفِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ أَجابَ عَنْها، كانَتْ تَتَجَلَّى المُعْجِزَةُ العِلْمِيَّةُ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الإِمامَةَ مَنْصِبٌ إِلَهِيٌّ لا يُقاسُ بِأَعْمارٍ أَوْ مَقامَاتٍ زَمَنِيَّةٍ.

وَمَعَ أَنَّهُ عاشَ عُمْرًا قَصيرًا، إِلّا أَنَّ بَرَكَتَهُ امْتَدَّتْ فِي كُلِّ اتِّجاهٍ: فِي الفِقْهِ، وَالعَقيدَةِ، وَالتَّفْسيرِ، وَسيرَةِ أَهْلِ البَيْتِ، بَلْ وَفِي تَثْبيتِ مَعالِمِ الوَلاءِ فِي أَحْلَكِ مَراحِلِ الصِّراعِ العَبّاسِيِّ.
فَكانَ مَنْبَعًا لِلبَرَكَةِ الوُجودِيَّةِ، وَعُنْوانًا لِلقُداسَةِ المُتَدَفِّقَةِ، وَإِمامًا حَيًّا فِي ضَميرِ الأُمَّةِ، حَتّى بَعْدَ أَنْ امْتَدَّتْ إِلَيْهِ يَدُ الغَدْرِ مَسْمومَةً فِي رَيْعانِ شَبابِهِ.

إِنَّنا فِي مَجْلِسِ التَّعبِئَةِ الثَّقافِيَّةِ، نُجَدِّدُ العَهْدَ فِي هذِهِ المُناسَبَةِ الحَزينَةِ، عَلى أَنْ نَسْتَلْهِمَ مِن الإِمامِ الجَوادِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) هذِهِ الدُّرُوسَ الخالِدَةَ:
    •    أَنَّ البَرَكَةَ فِي الفِكْرِ وَالعَطاءِ لا تُقاسُ بِطُولِ العُمْرِ، بَلْ بِصِدْقِ الانْتِماءِ.
    •    أَنَّ القِيادَةَ الرَّبَّانِيَّةَ لا تَنْحَصِرُ فِي السِّنِّ، بَلْ تُمنَحُ لِمَنْ اخْتارَهُمُ اللهُ وَأَعَدَّهُم لِحَمْلِ رِسالَتِهِ.
    •    أَنَّ الوُقوفَ بِوَجْهِ الباطِلِ واجِبٌ لا يُؤَخَّرُ، حَتّى وَإِنْ كانَتِ السُّيوفُ مُشْرَعَةً، وَالسُّمُّ حاضِرًا فِي الكَأْسِ.

نُعَزِّي إِمامَ زَمانِنا (أَرْواحُنا فِداهُ) بِشَهادَةِ جَدِّهِ الجَوادِ، وَنُعَزِّي الأُمَّةَ الإِسلامِيَّةَ، وَنَدْعو الجَميعَ إِلى إِحْياءِ ذِكْراهُ بِعُقُولٍ يَقِظَةٍ، وَقُلوبٍ مُتَعَطِّشَةٍ لِلنُّورِ، وَاسْتِحْضارِ البَرَكَةِ الَّتِي نَثَرَتْها هذِهِ الرّوحُ الطّاهِرَةُ فِي دُروبِ الهِدايَةِ.


 

 

كتائب حزب الله                                
مجلس التعبئة الثقافية                         
26 أيار 2025 ميلادية                            
28 ذي القعدة 1446 هجرية                   

اترك تعلیق

آخر الاخبار