صدقت نبوءة المفكر الاستراتيجي البريطاني بول كيندي في كتابه الشهير «صعود وسقوط القوى العظمى» الذي نشر منذ أكثر من ثلاثة عقود، حين صاغ – بناء على استقرار تاريخ الإمبراطوريات في العالم عبر قرون – قانوناً عاماً مبناه «إذا زادت التزامات الإمبراطورية الاستراتيجية عن إمكانياتها الاقتصادية فإنها تسقط».
وبناء على هذا القانون تنبأ بأن الولايات المتحدة الأميركية ستسقط في القريب بالمعنى التاريخي للكلمة، وذلك لأن الإمبراطورية التي أقامتها مدت خطوطها العسكرية إلى مختلف أنحاء العالم، تحت تأثير وهم استراتيجي أنها يمكن أن تهيمن عسكرياً على كل بقاع الأرض في الوقت نفسه، ووسعت من دوائر مصالحها القومية كما تدركها النخب السياسية الأميركية الحاكمة، لتشمل ضبط المناخ العالمي وحماية النفط وضمان تدفقه بسعر مناسب، ومواجهة صعود الصين في النظام الدولي، والمنافسة الاقتصادية لكل الدول المتقدمة بما فيها الاتحاد الأوروبي ومحاربة الإرهاب في كل مكان في العالم!
وهذه الشبكة المعقدة من المصالح القومية الأميركية الحقيقية أو المتوهمة تحتاج إلى موازنات ضخمة للغاية، من شأنها أن تسقط أي اقتصاد في العالم حتى لو كان اقتصاداً عملاقاً كالاقتصاد الأميركي. وهكذا صدقت نبوءة بول كيندي، وها نحن نشهد عصر غروب الإمبراطورية العظمى. وهذا الغروب الطويل يتجلى في الفشل العسكري من ناحية، والانهيار الاجتماعي من ناحية ثانية.
والفشل العسكري الأميركي يتمثل أولاً في الانسحاب المقدر للقوات المسلحة الأميركية من العراق بعد نجاحها نجاحاً ساحقاً في تمزيق نسيج المجتمع العراقي، وإثارة النعرات الطائفية فيه، ونشر الإرهاب ليصبح أسلوباً للحياة، مع أن الولايات المتحدة الأميركية قد غزت العراق بزعم تحريره من ديكتاتورية صدام حسين وتحويل نظامه السياسي ليصبح نظاماً ديموقراطياً نموذجياً، تحتذيه بقية البلاد العربية!
ويتجلى الفشل العسكري في سقوط آلاف الضباط والجنود الأميركيين قتلى وجرحى على يد جماعات المقاومة العراقية والعصابات الإرهابية في الوقت نفسه، واضطرار القوات المسلحة الأميركية إلى الانسحاب من المدن والمكوث في قلاع عسكرية بعيدة تحاشياً للهجمات المدمرة.
غير أن الفشل العسكري الأعظم أصبح واضحاً فعلاً الآن في أفغانستان، التي لم تستطع القوات المسلحة الأميركية بعد تسع سنوات من غزوها وإسقاطها لنظام «طالبان» أن تهيمن عليها عسكرياً. والأخطر من كل ذلك أنه على رغم أن القائد العسكري الأميركي هناك وهو الجنرال ماكريستال قد حاول أن يبتز الرئيس أوباما وطلب منه زيادة القوات العسكرية لتحقيق النصر على «طالبان»، فإن أوباما بعد تفكير دام ثلاثة شهور كاملة وهو يوازن بين المكاسب والخسائر المتوقعة، قرر إضافة 30 ألف مقاتل فقط الى القوات الأميركية الموجودة هناك ليصبح عددها الإجمالي مئة ألف.
وبناء على هذا المدد تم التخطيط للقيام بأكبر حملة عسكرية ضد «طالبان»، وتقدمت القوات الأميركية مصحوبة بقوات حلف الأطلسي إلى إقليم هلمند للسيطرة عليه، ففوجئت بعدم وجود مقاتلي «طالبان» لأنهم انسحبوا إلى الجبال التي يعرفون تضاريسها جيداً حتى ينقضوا من جديد على القوات الأميركية المهاجمة. ولم يهنأ الأميركيون طويلاً بتوغلهم في الإقليم بلا خسائر تذكر إذ سرعان ما ظهر قناصة «طالبان» لكي يوقعوا ضحايا كثيرين في صفوف القوات الأميركية والأطلسية.
ويلفت النظر بشدة أن الكاتب المعروف روبرت فيسك وصف هذه الحملة العسكرية التي روجت لها أبواق الدعاية الأميركية بأنها أشبه بسهم في الظلام! وذلك لأن القوات الأميركية تتوغل في إقليم أفغاني لا تعرف تضاريسه جيداً، لتحقيق أهداف غير محددة بدقة، وبصورة عشوائية حقاً!
وبالتالي تنتظر القوات المسلحة الأميركية هزيمة ساحقة على يد مقاتلي «طالبان»، الذين أصبحوا يسيطرون على معظم الأراضي الأفغانية، في حين عجز نظام كرزاي ، والقوات الأميركية بأسلحتها، عن وقف المد الطالباني .
غير أن الفشل العسكري للإمبراطورية الأميركية لا يعادله سوى إمكانية فشل المجتمع الأميركي ذاته. وهذا الفشل الاجتماعي – كما عبر عن ذلك الكاتب الآسيوي« كيشورمبهوباني» في مجلة «ويلسون» الفصلية – يطلق عليه بحسب مصطلحات علم الاجتماع الانهيار الاجتماعي. ويعني ذلك على وجه الدقة انحدار القيم الثقافية وسقوط المؤسسات الاجتماعية بكل أنواعها. وهذه المقالة المهمة عنوانها المثير هو «هل المجتمع الأميركي مهدد بالفشل؟»، وقد عرض الأستاذ محمود عبده موجزاً ممتازاً لها على شبكة الإنترنت. ويحدد هذا الباحث الآسيوي المرموق ستة أسباب تشير إلى احتمال فشل المجتمع الأميركي أو انهياره.
السبب الأول يتمثل في عيوب جسيمة أصابت «التفكير الجمعي الأميركي»، والدليل على ذلك وقوع الأزمة المالية الكبرى والتي نجمت – في أحد جوانبها – عن قبول المجتمع الأميركي بالافتراضات الخاطئة من قبل خبراء الاقتصاد الأميركي بأن الأسواق المالية غير الخاضعة للتنظيم والتي لا تتدخل الدولة في ضبطها، من شأنها تحقيق النمو الاقتصادي وخدمة الصالح العام. وقد ثبت زيف هذه المقولة، لأن هدف خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال المضاربين كان في الواقع زيادة ثرواتهم الشخصية على حساب الصالح العام.
والسبب الثاني للانهيار هو تآكل قيمة المسؤولية الفردية، مع أن هذه القيمة هي من بين القيم الرئيسية التي قام عليها نسق القيم الأميركي. والدليل على ذلك استمرار العجز المزمن في الموازنة الاتحادية، وعدم استعداد أي إدارة أميركية للاعتراف بالمسؤولية عن هذا العجز، بالإضافة إلى خوف الساسة الأميركيين من مسألة زيادة الضرائب مع أنها أصبحت أساسية لأي مجتمع حديث. ويؤكد تآكل قيمة المسؤولية الفردية شيوع ثقافة اللامبالاة الفردية وغياب المسؤولية.
والسبب الثالث للانهيار هو سوء استخدام القوة الأميركية، سواء القوة العسكرية أو السياسية. لقد تحدثنا من قبل عن سوء استخدام الإمبراطورية العظمى لقوتها العسكرية سواء في العراق أو أفغانستان، ومن ناحية أخرى طيش حملاتها ضد الإرهاب في العالم، خصوصاً ضد تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن، مع أنها هي التي صنعته أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان.
وإذا أضفنا إلى ذلك سوء استخدام القوة السياسية الأميركية والذي يتمثل في الانحياز الفاضح للسياسات الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، مما أجج مشاعر الملايين من المسلمين من ناحية، وانسحاب أميركا من معاهدة «كيوتو» من ناحية أخرى، مما أعاق سياسات مكافحة الاحتباس الحراري على مستوى العالم، لأدركنا أن سوء استخدام القوة الأميركية هو أحد أسباب انهيارها في الوقت نفسه!
ونصل إلى السبب الرابع من أسباب الانهيار وهو أنه خلف الواجهة البراقة للنظام السياسي الديموقراطي الأميركي يقبع أكثر النظم السياسية فساداً في العالم! وذلك لأن الفساد الأميركي له بنية عضوية متماسكة، حيث تتساند جماعات المصالح في المؤسسة العسكرية وأقطاب الصناعة ومديرو البنوك والشركات المالية، حتى يمارسوا الفساد الواسع المدى بالاستناد إلى القانون، بعد تحريف نصوصه والانحراف في تفسير قواعده!
غير أن أخطر أسباب الانهيار هو سقوط «العقد الاجتماعي» الذي قام على أساسه المجتمع، والذي مبناه أنه يبقى قوياً ومتماسكاً ما دام أن كل مواطن لديه فرصة متساوية للنجاح.
ومما يؤكد انهيار العقد الأميركي الذي كان يعطي المواطنين عموماً الأمل في الصعود إلى قمة السلم الاجتماعي عبر آلية الحراك الاجتماعي، هو هبوط معدلات الحراك الاجتماعي إذا ما قورنت بمعدلات الحراك الاجتماعي في أوروبا الغربية على سبيل المثال.
ونصل أخيراً إلى المظهر الأخير من مظاهر فشل المجتمع الأميركي وهو يتمثل في نمط الاستجابات الأميركية للعولمة، والذي يكشف عن فشل هيكلي للمجتمع الأميركي. فقد ظن الأميركيون أنهم الأقدر في مجال المنافسة العالمية، غير أنه تبين لهم أن الهنود والصينيين أصبحوا أكثر تنافسية منهم في مجال المهارات العمالية والفنية. ومن هنا أصبحت هناك حاجة ماسة لإعادة هيكلة الاقتصاد الأميركي، وخصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى والتي أثبتت أن هناك خللاً عميقاً في العلاقة بين الدولة والسوق.
هل هناك حل لوقف الانهيار؟
لقد أصبح النظام السياسي الأميركي رهينة للمصالح الخاصة، ولذلك ليس هناك حل إلا إذا ضحّى أصحاب المصالح وجماعات الضغط بجزء من أرباحهم الخرافية وتراكماتهم الرأسمالية الهائلة. ترى هل يفعلون ذلك أم سيسير التيار في اتجاه الانهيار الحتمي؟
تشهد سجلات التاريخ على أن انهيار الإمبراطوريات العظمى نتيجة تفاعلات الضعف المعقدة يمكن أن تحدث ولو بعد حين!
وبناء على هذا القانون تنبأ بأن الولايات المتحدة الأميركية ستسقط في القريب بالمعنى التاريخي للكلمة، وذلك لأن الإمبراطورية التي أقامتها مدت خطوطها العسكرية إلى مختلف أنحاء العالم، تحت تأثير وهم استراتيجي أنها يمكن أن تهيمن عسكرياً على كل بقاع الأرض في الوقت نفسه، ووسعت من دوائر مصالحها القومية كما تدركها النخب السياسية الأميركية الحاكمة، لتشمل ضبط المناخ العالمي وحماية النفط وضمان تدفقه بسعر مناسب، ومواجهة صعود الصين في النظام الدولي، والمنافسة الاقتصادية لكل الدول المتقدمة بما فيها الاتحاد الأوروبي ومحاربة الإرهاب في كل مكان في العالم!
وهذه الشبكة المعقدة من المصالح القومية الأميركية الحقيقية أو المتوهمة تحتاج إلى موازنات ضخمة للغاية، من شأنها أن تسقط أي اقتصاد في العالم حتى لو كان اقتصاداً عملاقاً كالاقتصاد الأميركي. وهكذا صدقت نبوءة بول كيندي، وها نحن نشهد عصر غروب الإمبراطورية العظمى. وهذا الغروب الطويل يتجلى في الفشل العسكري من ناحية، والانهيار الاجتماعي من ناحية ثانية.
والفشل العسكري الأميركي يتمثل أولاً في الانسحاب المقدر للقوات المسلحة الأميركية من العراق بعد نجاحها نجاحاً ساحقاً في تمزيق نسيج المجتمع العراقي، وإثارة النعرات الطائفية فيه، ونشر الإرهاب ليصبح أسلوباً للحياة، مع أن الولايات المتحدة الأميركية قد غزت العراق بزعم تحريره من ديكتاتورية صدام حسين وتحويل نظامه السياسي ليصبح نظاماً ديموقراطياً نموذجياً، تحتذيه بقية البلاد العربية!
ويتجلى الفشل العسكري في سقوط آلاف الضباط والجنود الأميركيين قتلى وجرحى على يد جماعات المقاومة العراقية والعصابات الإرهابية في الوقت نفسه، واضطرار القوات المسلحة الأميركية إلى الانسحاب من المدن والمكوث في قلاع عسكرية بعيدة تحاشياً للهجمات المدمرة.
غير أن الفشل العسكري الأعظم أصبح واضحاً فعلاً الآن في أفغانستان، التي لم تستطع القوات المسلحة الأميركية بعد تسع سنوات من غزوها وإسقاطها لنظام «طالبان» أن تهيمن عليها عسكرياً. والأخطر من كل ذلك أنه على رغم أن القائد العسكري الأميركي هناك وهو الجنرال ماكريستال قد حاول أن يبتز الرئيس أوباما وطلب منه زيادة القوات العسكرية لتحقيق النصر على «طالبان»، فإن أوباما بعد تفكير دام ثلاثة شهور كاملة وهو يوازن بين المكاسب والخسائر المتوقعة، قرر إضافة 30 ألف مقاتل فقط الى القوات الأميركية الموجودة هناك ليصبح عددها الإجمالي مئة ألف.
وبناء على هذا المدد تم التخطيط للقيام بأكبر حملة عسكرية ضد «طالبان»، وتقدمت القوات الأميركية مصحوبة بقوات حلف الأطلسي إلى إقليم هلمند للسيطرة عليه، ففوجئت بعدم وجود مقاتلي «طالبان» لأنهم انسحبوا إلى الجبال التي يعرفون تضاريسها جيداً حتى ينقضوا من جديد على القوات الأميركية المهاجمة. ولم يهنأ الأميركيون طويلاً بتوغلهم في الإقليم بلا خسائر تذكر إذ سرعان ما ظهر قناصة «طالبان» لكي يوقعوا ضحايا كثيرين في صفوف القوات الأميركية والأطلسية.
ويلفت النظر بشدة أن الكاتب المعروف روبرت فيسك وصف هذه الحملة العسكرية التي روجت لها أبواق الدعاية الأميركية بأنها أشبه بسهم في الظلام! وذلك لأن القوات الأميركية تتوغل في إقليم أفغاني لا تعرف تضاريسه جيداً، لتحقيق أهداف غير محددة بدقة، وبصورة عشوائية حقاً!
وبالتالي تنتظر القوات المسلحة الأميركية هزيمة ساحقة على يد مقاتلي «طالبان»، الذين أصبحوا يسيطرون على معظم الأراضي الأفغانية، في حين عجز نظام كرزاي ، والقوات الأميركية بأسلحتها، عن وقف المد الطالباني .
غير أن الفشل العسكري للإمبراطورية الأميركية لا يعادله سوى إمكانية فشل المجتمع الأميركي ذاته. وهذا الفشل الاجتماعي – كما عبر عن ذلك الكاتب الآسيوي« كيشورمبهوباني» في مجلة «ويلسون» الفصلية – يطلق عليه بحسب مصطلحات علم الاجتماع الانهيار الاجتماعي. ويعني ذلك على وجه الدقة انحدار القيم الثقافية وسقوط المؤسسات الاجتماعية بكل أنواعها. وهذه المقالة المهمة عنوانها المثير هو «هل المجتمع الأميركي مهدد بالفشل؟»، وقد عرض الأستاذ محمود عبده موجزاً ممتازاً لها على شبكة الإنترنت. ويحدد هذا الباحث الآسيوي المرموق ستة أسباب تشير إلى احتمال فشل المجتمع الأميركي أو انهياره.
السبب الأول يتمثل في عيوب جسيمة أصابت «التفكير الجمعي الأميركي»، والدليل على ذلك وقوع الأزمة المالية الكبرى والتي نجمت – في أحد جوانبها – عن قبول المجتمع الأميركي بالافتراضات الخاطئة من قبل خبراء الاقتصاد الأميركي بأن الأسواق المالية غير الخاضعة للتنظيم والتي لا تتدخل الدولة في ضبطها، من شأنها تحقيق النمو الاقتصادي وخدمة الصالح العام. وقد ثبت زيف هذه المقولة، لأن هدف خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال المضاربين كان في الواقع زيادة ثرواتهم الشخصية على حساب الصالح العام.
والسبب الثاني للانهيار هو تآكل قيمة المسؤولية الفردية، مع أن هذه القيمة هي من بين القيم الرئيسية التي قام عليها نسق القيم الأميركي. والدليل على ذلك استمرار العجز المزمن في الموازنة الاتحادية، وعدم استعداد أي إدارة أميركية للاعتراف بالمسؤولية عن هذا العجز، بالإضافة إلى خوف الساسة الأميركيين من مسألة زيادة الضرائب مع أنها أصبحت أساسية لأي مجتمع حديث. ويؤكد تآكل قيمة المسؤولية الفردية شيوع ثقافة اللامبالاة الفردية وغياب المسؤولية.
والسبب الثالث للانهيار هو سوء استخدام القوة الأميركية، سواء القوة العسكرية أو السياسية. لقد تحدثنا من قبل عن سوء استخدام الإمبراطورية العظمى لقوتها العسكرية سواء في العراق أو أفغانستان، ومن ناحية أخرى طيش حملاتها ضد الإرهاب في العالم، خصوصاً ضد تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن، مع أنها هي التي صنعته أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان.
وإذا أضفنا إلى ذلك سوء استخدام القوة السياسية الأميركية والذي يتمثل في الانحياز الفاضح للسياسات الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، مما أجج مشاعر الملايين من المسلمين من ناحية، وانسحاب أميركا من معاهدة «كيوتو» من ناحية أخرى، مما أعاق سياسات مكافحة الاحتباس الحراري على مستوى العالم، لأدركنا أن سوء استخدام القوة الأميركية هو أحد أسباب انهيارها في الوقت نفسه!
ونصل إلى السبب الرابع من أسباب الانهيار وهو أنه خلف الواجهة البراقة للنظام السياسي الديموقراطي الأميركي يقبع أكثر النظم السياسية فساداً في العالم! وذلك لأن الفساد الأميركي له بنية عضوية متماسكة، حيث تتساند جماعات المصالح في المؤسسة العسكرية وأقطاب الصناعة ومديرو البنوك والشركات المالية، حتى يمارسوا الفساد الواسع المدى بالاستناد إلى القانون، بعد تحريف نصوصه والانحراف في تفسير قواعده!
غير أن أخطر أسباب الانهيار هو سقوط «العقد الاجتماعي» الذي قام على أساسه المجتمع، والذي مبناه أنه يبقى قوياً ومتماسكاً ما دام أن كل مواطن لديه فرصة متساوية للنجاح.
ومما يؤكد انهيار العقد الأميركي الذي كان يعطي المواطنين عموماً الأمل في الصعود إلى قمة السلم الاجتماعي عبر آلية الحراك الاجتماعي، هو هبوط معدلات الحراك الاجتماعي إذا ما قورنت بمعدلات الحراك الاجتماعي في أوروبا الغربية على سبيل المثال.
ونصل أخيراً إلى المظهر الأخير من مظاهر فشل المجتمع الأميركي وهو يتمثل في نمط الاستجابات الأميركية للعولمة، والذي يكشف عن فشل هيكلي للمجتمع الأميركي. فقد ظن الأميركيون أنهم الأقدر في مجال المنافسة العالمية، غير أنه تبين لهم أن الهنود والصينيين أصبحوا أكثر تنافسية منهم في مجال المهارات العمالية والفنية. ومن هنا أصبحت هناك حاجة ماسة لإعادة هيكلة الاقتصاد الأميركي، وخصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى والتي أثبتت أن هناك خللاً عميقاً في العلاقة بين الدولة والسوق.
هل هناك حل لوقف الانهيار؟
لقد أصبح النظام السياسي الأميركي رهينة للمصالح الخاصة، ولذلك ليس هناك حل إلا إذا ضحّى أصحاب المصالح وجماعات الضغط بجزء من أرباحهم الخرافية وتراكماتهم الرأسمالية الهائلة. ترى هل يفعلون ذلك أم سيسير التيار في اتجاه الانهيار الحتمي؟
تشهد سجلات التاريخ على أن انهيار الإمبراطوريات العظمى نتيجة تفاعلات الضعف المعقدة يمكن أن تحدث ولو بعد حين!
المصدر:الحياة
كاتب مصري