القوى المستكبرة في العالم ـ أي القوى الغربية والأمريكية والصهيونية ـ لا تقف عند حدّ معين، وتريد الاستيلاء على العالم كله وعلى جميع المصادر المالية في العالم وعلى كل الطاقات البشرية، فما هو ذنب الشعوب؟ لماذا يجب على الشعوب أن تطيق هذا الوضع؟ ولكن للأسف هذا هو الواقع، يضعون أشخاصاً من سنخهم على رأس الشعوب ليضمنوا لهم مصالحهم ويعملوا ما استطاعوا ضد مصالح الشعوب ويضغطوا عليهم. منذ حوالي مائتي عام، حيث ظهر الاستعمار، حدث هذا الشيء بأشكال مختلفة في العالم. الشعوب الأخرى لم تكن مشكلتهم خلال هذه الحقبة مجرد تسلط مستبد عليهم إنما كانت مشكلتهم هي أن هذا المستبد له سنده من القوى الدولية التي تسحق وتحطم مصالح هذا البلد وهذا الشعب. هذه هي المشكلة خلال فترة الاستعمار. إذا نظرنا من هذه الزاوية فسوف يمكن تحليل جميع هذه القضايا بصورة صحيحة. وكذا الحال بالنسبة للقضايا الراهنة.
تقع في المنطقة حالياً أحداث معينة ببركة الإسلام وببركة الثورة الإسلامية وبفضل الصحوة الإسلامية العامة. ولا مراء في أن هذه الصحوة الشعبية سوف تؤتي نتائجها، وقد آتت نتائجها إلى هذا اليوم وإلى هذه الساعة في بعض المناطق. عزيمة الشعوب وإيمانها واستعدادها للتضحية كلما استمر أكثر كلما كان احتمال انتصارها أكبر. وهذا ما لا يريد الاستكبار والصهاينة وقوعه ولا يريدون للشعوب أن تصمد. لقد وقعت أمريكا في هذه الأحداث في مباغتة وحلت الضربة بها على حين غرة وبصورة مفاجئة، وكذا الحال بالنسبة للصهاينة، وكذا الحال بالنسبة للحكومات الاستعمارية الأوربية المتشدقة - لقد تفاجؤوا - لكنهم يريدون الهيمنة على الساحة بأي شكل من الأشكال، إلا أنهم لحسن الحظ لم يستطيعوا ذلك لحد الآن. في بلد أو بلدين لم يستطيعوا ذلك إطلاقاً، وهم يحاولون في بلد أو بلدين آخرين. من الأكيد أن هذه الصحوة ليست بالشيء الذي ينتهي. تحرك الجماهير إلى الأمام هذا ليس شيئاً يمكن أن يرجع إلى الوراء. مهما فعلوا سيكون لهذه الحركة نهاية جيدة ولصالح الشعوب وبضرر القوى الكبرى. طبعاً يجب أن تكون الشعوب يقظة وتعلم أن العدو يتربص لها في كمائنه.
وفي بعض الأماكن يمارسون - للحق والإنصاف - ظلماً علنياً جلياً. في قضية البحرين وفي قضية ليبيا وفي قضية اليمن الآن، كل الذين يستطيعون إبداء آراءهم في هذه القضايا إذا دققوا سيجدون هذه القوى الغربية مجرمة ومقصرة لا يمكن التغاضي عنها. هؤلاء يظلمون الناس. وتحليل ذلك من شأن المحللين السياسيين، فهم يحللون ويتحدثون، ومحصلة كل ذلك هو أن أمريكا والغرب يمارسون الضغط على الشعوب ويظلمونها لصالح الصهاينة ولصالح الحكومة الإسرائيلية المزيفة، والذين تعرضوا للظلم أكثر من غيرهم هم الشعب البحريني للأسف.
لأن الجمهورية الإسلامية تتخذ الموقف الحق وتقول كلمتها بصراحة فإنهم يوجهون جميع هجماتهم الإعلامية ضد نظام الجمهورية الإسلامية. كانوا يتمنون أن تكون الجمهورية الإسلامية متفرجاً غير مكترث، ومثل هذا الشيء غير ممكن، وهذا ليس من طبيعة الجمهورية الإسلامية. لا يمكن لشعب إيران ولا للمسؤولين الإيرانيين ولا للحكومة الإيرانية ولا للنخب السياسية في إيران بطبيعة الحال أن يبقوا متفرجين غير مكترثين في هذا الصراع الظالم الذي يشنه المستكبرون ضد الشعوب. فيقولون إن إيران تتدخل! أي تدخّل؟! أي تدخّل؟! ما هو التدخل الذي قامت به إيران في البحرين وفي ليبيا وفي اليمن؟ نعم التدخل هو أننا ذكرنا رأينا بصراحة، ولم نخف أبداً من عبوس القوى الورقية ولم ولن نكترث لها. إننا نذكر مواقفنا الحقة وكلامنا الحق بكل صراحة. الموقف الحق هو أن الحق مع الشعب البحريني، فهو شعب معترض واعتراضه في محله. أي إنسان صاحب بصيرة في العالم إذا عرضتم عليه هذه القضية وذكرتم له وضعهم وأخبرتموه بنوع الحكومة التي تحكم هذا الشعب، وطبيعة الأعمال التي يمارسها الحكام هناك في استغلال ذلك البلد الصغير، لكم أن تشاهدوا هل سيدين الجهاز الحاكم هناك أم لا يدينه. إنهم مخطئون إذ يجابهون الشعب، ولا فائدة من عملهم هذا. قد تستطيعون الضغط وممارسة الأعمال الوحشية فتطفئوا النار لأيام معدودات، لكن النار لن تنطفئ، إنما ستزيدون عقد الناس يوماً بعد يوم، وذات يوم سيفلت الزمام من أيديكم بحيث لا يمكن تلافي الأمر بأي شكل من الأشكال. إنهم مخطئون. هم على خطأ والذين يبعثون القوات للبحرين من الخارج أيضاً يرتكبون خطأ كبيراً. يتصورون أنهم بهذا يستطيعون القضاء على حركة الشعب. هذا هو رأي الجمهورية الإسلامية وكلامها.
أما قضية البحرين فهي من حيث الماهية تشبه تماماً القضايا الأخرى في بلدان المنطقة. أي إن قضية البحرين لا تختلف إطلاقاً عن قضية مصر وقضية تونس وقضية ليبيا. إنه شعب تحكمه حكومة تتجاهل حقوقه. ماذا كان يريد الشعب البحريني بثورته هذه؟ المطلب الأساسي للشعب البحريني هو إقامة انتخابات وأن يكون لكل إنسان صوت واحد، فهل هذا شيء كثير؟ وهل هو توقع كبير؟ حسب ظاهر الأمور في البحرين هناك انتخابات، ولكن الشعب لا يتمتع إطلاقاً بحق التصويت بمعنى أن يكون لكل شخص صوت واحد، وهناك ظلم يجري على هذا الشعب. هنا اغتنم الغربيون الفرصة للتدخل في شؤون المنطقة عن طريق إثارة قضية جديدة هي قضية الشيعة والسنة. لأن الشعب البحريني المسكين شيعي جب أن لا يدعمه داعم في العالم! التلفزيونات التي تبث تفاصيل أحداث المنطقة تسكت عن أحداث البحرين ولا تعكس تقتيل الشعب البحريني، ويخرج عدد من الأشخاص في بلدان الخليج الفارسي - سواء كانوا سياسيين أو صحفيين - فيهذرون ويقولون إن قضية البحرين قضية حرب بين الشيعة والسنة! أية حرب بين الشيعة والسنة؟ إنه اعتراض شعب على الظلم الذي يقع عليه، والأمر تماماً كما في تونس وكما في مصر وكما في ليبيا وكما في اليمن، لا فرق بين ذاك وهذه. والأمريكان فرحون لأنهم يستطيعون بأبواقهم الإعلامية في المنطقة الترويج لفكرة أن قضية البحرين قضية اختلاف بين الشيعة والسنة، فيحولوا بذلك دون وصول المساعدات التي قد يفكر البعض بتقديمها، وفي الوقت نفسه يغيرون ماهية الأمور. يقولون لماذا تدعم إيران الشعب البحريني. نحن دعمنا الجميع. إننا ندعم الشعب الفلسطيني منذ اثنتين وثلاثين سنة. أي بلد أو حكومة أو شعب قدم مثل هذا الدعم طوال هذه الأعوام الإثنين والثلاثين؟ فهل الشعب الفلسطيني شيعي؟ كم بذل شعبنا من الجهد فيما يتعلق بغزة؟ توجه شبابنا للمطار ليذهبوا إلى غزة! كانوا يريدون التوجه إلى غزة للقتال ضد إسرائيل، وكانوا يتصورون أن الطريق مفتوح، لكن الطريق كان مغلقاً ولا يمكنهم الذهاب إلى هناك. وقلنا لهم لا تذهبوا.. منعناهم لئلا يبقوا حائرين تائهين وسط الطريق. لم يكونوا يسمحون لهم بالوصول طبعاً. لقد أبدى شعبنا مشاعره في كل مكان حيال غزة وحيال فلسطين وحيال مصر وحيال تونس، وهؤلاء ليسوا بشيعة. إذن القضية ليست قضية شيعة وسنة. يحاولون عن خبث وسوء نية إظهار قضية البحرين وكأنها قضية شيعة وسنة. وللأسف فإن بعض الذين يتصور الإنسان أنهم لا يحملون نوايا ومحفزات سيئة وقعوا في هذا الفخ. إذا كان هناك خيرين مخلصين في هذا الخضم فإني أعلن لهم بأن لا يحولوا القضية إلى قضية شيعة وسنة فهذه أكبر خدمة لأمريكا ولأعداء الأمة الإسلامية بأن يحملوا تحركاً عاماً مناهضاً للاستبداد يقوم به شعب على أنه صراع بين الشيعة والسنة. ليس هناك صراع بين الشيعة والسنة.
إننا لا نفرق بين غزة وفلسطين وتونس وليبيا ومصر والبحرين واليمن. الظلم ضد الشعوب مدان أينما كان. تحرك الشعوب بشعارات الإسلام وباتجاه الحرية مما نؤيده. ذروة وقاحة الأمريكيين حينما لم يعتبروا نزول دبابات الحكومة السعودية إلى شوارع المنامة في البحرين تدخلاً، ولكن حينما يقول مراجع تقليدنا وعلماؤنا ومخلصونا لا تقتلوا الناس، يقولون لنا إنكم تدخلتم! هل هذا تدخل؟! أن نخاطب حكومة أو نظاماً ظالماً ونقول له لا تقتل شعبك فهذا تدخل، لكن نزول الدبابات الأجنبية لشوارع البحرين ليس تدخلاً! هذه ذروة وقاحة الأمريكيين وإذنابهم في المنطقة أن يتصرفوا بهذه الطريقة ويتحدثوا بهذه الطريقة ويتخذوا مثل هذه المواقف الإعلامية. بالطبع نعتقد أن الحكومة السعودية قد أخطأت وما كان ينبغي لها أن تتخذ مثل هذه المواقف وتجعل من نفسها مكروهة مبغوضة في المنطقة. الأمريكان يبعدون آلاف الكيلومترات عن هنا، فإذا صاروا مكروهين مبغوضين فقد لا يكون الأمر مهماً لهم بدرجة كبيرة، لكن السعوديين يعيشون في هذه المنطقة ومن الخسارة الكبيرة أن تكون الشعوب كارهة مبغضة لهم. لقد أخطأوا بفعلهم هذا. وكل من يفعل مثل هذا يكون قد أخطأ.
ما أقوله بنحو حاسم هو أن هناك حركة جديدة في المنطقة قد انطلقت بتوفيق من الله. إنها حركة الشعوب وحركة الأمة الإسلامية، وهي حركة بشعارات إسلامية ونحو الأهداف الإسلامية ومؤشر على الصحوة العامة للشعوب. وحسب الوعد الإلهي فإن هذه الحركة ستنتصر يقينا وبلا شك.
7-5-2011
المصدر: وكالات انباء