أقصى جنوب اليابان تقع اوكيناوا التي تضم القاعدة الامريكية المتمركز فيها الجزء الأكبر من قوات الولايات المتحدة البالغ عددها 47,000 وتطل القاعدة على المحيط الهادئ بإتجاه تايوان، مما يجعلها "حصناً حيوياً للاستراتيجيين العسكريين الأمريكيين المهتمين بإحتواء الصين" وفقا لشوبين زوكيران، عضو مجلس النواب من أوكيناوا.
لكن سكان أوكيناوا، الذين يبلغ عددهم نحو 1.4 مليون نسمة، دأبوا منذ زمن طويل علي معارضة التواجد العسكري الأمريكي في بلادهم، وهي التي شهدت المعركة الدامية الوحيدة عند غزو الجيش الامريكي لليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.
ومنذ عودة الجزر إلى اليابان عام 1972، دعم أكثر من 90 في المئة من سكان أوكيناوا طلب الإزالة الكاملة لهذه القواعد، التي تحتل 18 في المئة من أرضهم – بسبب شعورهم بالقلق إزاء سلامتهم الشخصية والضوضاء والتلوث البيئي.
ونتيجة للأحداث الأخيرة التي تورط فيها الجنود الامريكان مع نساء من منطقة اوكيناوا اندفعت المعارضة للاحتجاج الصريح على وجود القواعد والتهديد باحباط خطط الولايات المتحدة "لتعزيز قواتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
ففي 7 نوفمبر، اتهم كريستوفر براونينغ، وسكايلر دوزيهوالكر، بإعتداء غير اخلاقي وإصابة امرأة يابانية يوم 16 اكتوبر، في قضية أثارت احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء أوكيناوا.
وقال زوكيران في لقاء صحفي بطوكيو في نوفمبر، "لقد وصل نضال أوكيناوا ضد القواعد العسكرية الأمريكية إلى نقطة تحول، نحن على استعداد لأخذ مطالبنا إلى واشنطن لانهاء الجمود".
هذا ولا يعتبر الإحباط من إفلات القوات الامريكية من العقاب في الجزيرة شيئا جديداً. ففي عام 1995، أدى اعتداء ثلاثة جنود أمريكيين الجماعي على فتاة من أوكيناوا بالغة من العمر 12 سنة، إلى اتفاق بين الولايات المتحدة واليابان للحد من الوجود العسكري الأمريكي على سلسلة جزر أوكيناوا. لكن ذلك لم يكن كافيا لتهدئة السكان المحليين.
وبدوره، قال ريويتشي هاتوري، عضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي قدم المطالب السياسية بإزالة القواعد من أوكيناوا، أن "حالات الاغتصاب والعدالة المشوهة عندما تمس هذه الجرائم العسكريين الامريكيين، يمثلان أسوأ شكل من أشكال العنف ضد المرأة".
فتفيد الإحصاءات التي أجرتها الشرطة إلى وجود ما لا يقل عن 6,000 حالة من حالات مثل هذه الجريمة -بما في ذلك العنف والاغتصاب- منذ عام 1972.
وكانت كاترين فيشر -وهي مواطنة أسترالية تعرضت للاعتداء في عام 2002 من قبل احد البحارة على متن سفينة متمركزة في القاعدة البحرية الامريكية يوكوسوكا الواقع علي بعد 64 ميلا الى الجنوب من طوكيو- من بين أوائل النساء اللواتي تحدثن علناً عن الجريمة.
وأخذت فيشر قضيتها إلى الولايات المتحدة في سبتمبر سعياً وراء ملاحقة المعتدي الذي تم تسريحه من الجيش الامريكي على الرغم من ادانته من قبل المحكمة المركزية في طوكيو في عام 2004 وأمره بدفع تعويضات.
وقالت فيشر "أنها مصممة على الحصول على العدالة وتحدي نظام غير عادل أبداً. فالجناة، عندما يكونون جنوداً أمريكيين يتمتعون بحماية قانونية ... ويجب تغيير ذلك". بحسب وكالة إنتر بريس سيرفس
وتقوم فيشر حاليا بجولة في اليابان لحشد الدعم لطلبها بأن يبقي مرتكبي الجرائم في اليابان لمواجهة المحاكمة، كما تحاول تشكيل مركز لأزمات الاغتصاب يعمل على مدار 24 ساعة، ويمكنه أن يتعامل تحديداً مع الجرائم التي يرتكبها جنود الجيش الامريكي.
وهناك أيضاً موجة أخرى من الاحتجاج على تزايد الجرائم العادية التي يرتكبها جنود مشاة البحرية الذين يترددون على الحانات الصاخبة في أوكيناوا ويشاركون في حياتها الليلية.
وعن هذا تقول ماسايو هيراتا، المستشارة السابقة لشؤون المرأة بشأن المشاكل مع القوات الاميركية -بما في ذلك تخلى الآباء عن ذريتهم عند العودة إلى الولايات المتحدة- أن العلاقات العاطفية مع السكان المحليين شائعة، "فقد أصبح الزواج أو إقامة علاقات مع جنود أمريكيين أمراً شائعا في هذه الأيام بين الإناث من الشباب الذين يلتقون بهم في الحانات".
هذه التفاعلات تشكل جزءا كبيرا من المشكلة، وفقا لجماعات الاحتجاج والتي تشمل الأكاديميين والمحامين والسياسيين المحليين.
كما أثار الاستغلال الجنسي للنساء المحليات أيضاً موجة إحتجاجات في دول آسيا والمحيط الهادئ الأخرى التي تأوي القوات الامريكية، كما هو الحال في الفلبين، التي لديها مرافق إصلاح السفن وترفيه.
فأجبرت الاحتجاجات الشعبية مجلس الشيوخ الفلبيني على التصويت ضد تجديد عقد الإيجار لقاعدة كلارك في مدينة أنكليس عام 1991 -وهو القرار الذي شجعه العديد من سكان أوكيناوا.
أما كوريا الجنوبية، التي هي في حالة حرب رسمية مع كوريا الشمالية، فتستضيف 37,000 من جنود مشاة البحرية الأمريكية في جميع أنحاء البلاد، لكن جريمة القتل الوحشي في 1992 لامرأة محلية تعمل في منطقة الترفيه بالقرب من القواعد العسكرية، أثارت مطالب بوضع حد لهذا الترتيب.
هذا وقد وجدت دراسة مسحية لعام 2010، أجرتها صحيفتي ماينيتشي شيمبون و ريوكيو شيمبو، أن 71 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع من سكان أوكيناوا يرون أن وجود القوات الامريكية غير ضروري، في حين يرغب 41 في المئة في إزالة القواعد.
وركزت الحملات أيضا على التدهور البيئي الناجم عن بناء قواعد عسكرية، كذلك فقد إستخدمت قوات الأمن العنف في فض الاعتصامات ضد بناء مهبط للهليكوبتر في قرية هينوكو الهادئة. ويؤكد السكان المحليين، جنباً إلى جنب مع نشطاء حماية البيئة، أن بناء مهبط طائرات الهليكوبتر يهدد الشعاب المرجانية بالانقراض.
كما يقول سكان أوكيناوا إن حياتهم اليومية مليئة بالخوف من حوادث الطائرات المقاتلة من الولايات المتحدة التي تولد ضوضاء تصم الآذان أيضا لأنها تطير إلى القواعد الأمريكية الموجودة في مناطق مزدحمة بالسكان.
وقد تفاقم العداء مؤخراً جراء نشر طائرة أوسبري في الجزيرة، وأعرب السكان المحليين عن مخاوفهم بشأن سجل سلامة هذا الطراز من الطائرات على الإقلاع والهبوط عمودياً.
وأوضح البروفيسور تسونيو ناميهارا، عالم الاجتماع في جامعة أوكيناوا، لوكالة إنتر بريس سيرفس أن الصدامات الإقليمية بين اليابان والصين على جزر سينكاكو، التي يطالب بها كلا البلدان، قد جعلت التخلص من القواعد الأمريكية مسألة أكثر صعوبة.
وحذر ناميهارا، "أخشى أن الحركة المناهضة للقواعد الأمريكية سوف تنحرف بعيدا عن الطابع السلمي التقليدي للاحتجاجات المحلية. فجيل الشباب بدأ يفقد صبره حيال اليد الثقيلة للحكومة اليابانية التي تتجاهل رغبات السكان المحليين".
المصدر:وكالة إنتر بريس سيرفس