المخابرات الأمريكية وبلاك ووتر فضيحة علي نار هادئة
يوما بعد يوم تتراكم صفحات ملف فضائح شركة بلاك ووتر للخدمات الأمنية، أو سماسرة الموت الأمريكيين الذين عاثوا في العراق فسادا وقتلا جماعيا وكانت آخر جرائمهم مقتل ٧١ مدني عراقي في بغداد عام 2007 بسبب غارة قام بها عملاء وموظفو بلاك ووتر وتقديم خمسة منهم للمحاكمة.. ويتجه مؤشر القضاء الأمريكي لإسقاط التهم عن أحد هؤلاء المجرمين. آخر وأحدث فضائح هذه الشركة ـ التي غيرت اسمها بعد المجزرة الى إلي إكس إي ـ ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز عن وجود علاقات سرية بين الشركة الأمنية الخاصة ووكالة المخابرات الأمريكية الـ C.I.A سي آي ايه.. وأن هذا التعاون بدأ بعقد سري كشفته الصحيفة في أغسطس الماضي يقضي بتعاون طواقم الشركة الأمنية مع طواقم الـ "سي آي ايه" في مهامها بكل من العراق وأفغانستان وپاكستان.. تراوحت المهام من تأمين حواف المقرات السرية للـ "سي آي ايه" ومصاحبة افرادها في مهامهم وتنقلاتهم الخارجية لتأمينهم، إلي المشاركة الفعلية في الغارات والهجمات التي تديرها وكالة المخابرات في هذه البلدان. كان العقد يقضي بأن يقوم أفراد الشركة بتجميع وتحميل الأسلحة على طائرات پداتور الأمريكية بدون طيار وتزويد هذه الطائرات بالصواريخ والقنابل الموجهة بالليزر. تعمق دور الشركة الأمنية من مهام وكالة المخابرات وزاد نفوذها وأصبح افرادها أكثر ضلوعا في العمليات السرية للوكالة لأنهم كانوا يحددون أمن الطرق لتنفيذ العمليات وتلافي وقوع خسائر بشرية بين طواقم وكالة المخابرات. ثم اتسعت مهام الشركة حتي وصلت للقيام ببعض الرحلات الجوية لنقل المحتجزين بين السجون في البلدان المختلفة. وحسب وصف أحد المسئولين السابقين بالمخابرات كان المفترض ان يمثل دور شركة بلاك ووتر القشرة الخارجية للبصل، لكنه تحول فأصبح جزءا من نسيجها. بعد الكشف عن العقد السري في أغسطس الماضي أمر مدير المخابرات المركزية بمراجعة عقود الشركة مع الوكالة للتأكد من ان عملياتها تتصل فقط بمهام أمنية، لكن بعد ذلك تواترت الأنباء عن إلغاء عقد مع "بلاك ووتر سيلكت" وهو قسم يهتم بالعمليات السرية، وأمر مدير المخابرات منذ ذلك الوقت بأن يتولي موظفو الوكالة هذه المهمة. فضيحة المخابرات الأمريكية خرجت عن السيطرة بعد أن أماطت صحيفة نيويورك تايمز اللثام عنها وازدادت المخاوف في الأوساط الأمنية والسياسية الأمريكية من عمق التعاون ولجوء وكالة المخابرات الى الشركات الخاصة الأمر الذي كشف عن نقص هائل في بعض الكفاءات الحساسة في المخابرات الأمريكية. كما ثارت التساؤلات عن مدى الشفافية التي تتمتع بها تقارير المخابرات الأمريكية لاسيما بعد ان كشفت الغارات التي جرت في كل من باكستان وأفغانستان عن مستوى من التعاون والتداخل بين وكالة المخابرات وشركة بلاك ووتر أعلى مما كان معلنا من أي منهما. ردا على هذه الفضيحة المدوية نفي متحدث باسم بلاك ووتر ارتباطها بأية عقود للمساهمة في الغارات مع افراد العمليات الخاصة أو الـ "سي آي ايه" بأي من العراق وأفغانستان أو أي مكان آخر. لكن العديد من الموظفين السابقين والحاليين في كل من بلاك ووتر المخابرات الأميركية كشفوا لنيويورك تايمز الأسرار الدقيقة وأكدوا انهم قاموا بعمليات هجومية تتجاوز مسألة تأمين الحماية لأفراد المخابرات وأنهم شاركوا في اعتقال واغتيال بالعراق وأنهم مارسوا سياسة اخطف وامسك ضد المسلحين . الطريف ان تعمق الدور القتالي والتخطيطي لأفراد بلاك ووتر في المهام السرية للمخابرات أدي إلي حدوث خلافات بين أفراد طواقم الجانبين، وحين كان الصاروخ يخطيء هدفه كان رجال المخابرات يعزون ذلك إلي رداءة وفقر أداء وتصويب وتجميع الصواريخ الذي قام به أفراد بلاك ووتر. الجدير بالذكر ان الشركة فقدت عقدها المربح مع وزارة الخارجية الأمريكية لتوفير الحماية الدبلوماسية للسفارة الأمريكية بالعراق إثر اللغط الذي دار حول عملياتها المشبوهة. أما دفاع المخابرات المركزية عن هذه الفضيحة فقد تركز في ان قواتهم العسكرية ضئيلة وأنهم غالبا يستعيرون قوات من الجيش الأمريكي بالقوات الخاصة ليملأوا بها الرتب الشاغرة وأنهم يعتمدون علي شركات خاصة مثل بلاك ووتر لتزويدهم بالسائقين وقوات حراسة المواكب والقوافل العسكرية. الفضيحة لم تنضج بعد حتي تأخذ طريقها للكونجرس الأمريكي الذي مايزال حائرا في تحديد دور واشنطن في هذه المسألة وهل كانت الإدارة علي علم بهذا التعاون السري وسمحت به أم أنها كانت مغيبة طول الوقت؟ بقلم : كاتبة عراقية