المقاومة الشيعية.. الحركة المفترى عليها!

 منذ ان سقط نظام صدام البعثي وحكومته" الورقية " في العراق، تم تسويق فكرة وهمية لا تستند الى اساس موضوعي او منطلق تاريخي صحيح تتعلق بدور الشيعة في التعاون مع قوى الاحتلال في إسقاط أنظمة الحكم، وتبنيهم، بعد ذلك، للخيار السلمي الديمقراطي في مواجهة الاحتلال. وتحت تأثير ماكينة الإعلام العربي الطائفية الكاره للتغير في العراق وصعود الشيعة للحكم وظهورهم اللافت ككيان كبير كما يشير الى ذلك الأستاذ ولي نصر في كتابه انبعاث الشيعة على الرغم من اعتبارهم اغلبية ومن حقهم، وفقا لمبادئ الديمقراطية، ان يحكموا العراق، اقول تحت هذا التأثير تنامت هذه الفكرة " التضليلية " ككرة الثلج بحيث صدّق الكثير هذا الوهم وتلك الفكرة التي تتحدث عن " عمالة " الشيعة للاحتلال الجديد للعراق. هذا الفكرة والمغالطة الواضحة حول التشيع عززها الإعلام العربي بفكرة أن اهل السنة قد أصبحوا الان، وتحت هذا الايقاع الكاذب " ممثلون للمقاومة العسكرية المسلحة ضد الاحتلال" في حين ان الشيعة اصبحوا هم من يتعاونون معه حيث تسلموا السلطة والمناصب الحكومية بعد عام 2003، وهذا الاعلام يغض النظر عن الكتل والاحزاب والشخصيات السياسية السنية الكبيرة التي شاركت في العملية السياسية بعد 2003 جنبا الى جنب نظرائهم الشيعة. وكان اصحاب هذا الراي، وهم منقسمون بين مغرض يعلم الحقيقة واخر مُضلل منساق تحت تأثير تخدير الآلة الإعلامية، يتبجحون ويفتخرون بما يقوله بعض المسؤولين والقادة العسكريين الأمريكيين حول المقاومة والجماعات المسلحة في العراق ويتذكرون، مثلا، ما عبر عنه الناطق باسم قوات الاحتلال التي تقودها الولايات المتحدة في العراق في 6 يوليو 2005 عن اعتقاده أن الجماعات المسلحة مازالت قوة قوية ومتكيفة، متوقعاً أن يستمر استخدام سلاح "السيارات المفخخة" الفتاك لفترة من الزمن. هذه التصريحات الأمريكية وغيرها من مثيلاتها كانت هي الحجة والدليل التي يستند له من يسمون انفسهم بالمقاومين حول مافعلوه، وكانوا يتفاخرون بها أمام الآخرين من حيث اعتراف الآخر بقوتهم ومقدرتهم على توجيه الضربات والفضل، كما نعرف، ماشهدت به الاعداء !. لذا حاولوا ان يقدموا المقاومة العسكرية في العراق ضد الوجود الامريكية بنكهة طائفية سنية بحيث تكون حركة المقاومة من جهة والطائفة السنية من جهة اخرى مرتبطتان برباط عضوي بحيث يؤدي كل منها نحو الاخر. ولإيجاد الباحث المحايد صعوبة في الرد على هذا الادعاء ولا مشقة في الكشف عن مدى التضليل الذي يتضمنه وذلك من خلال ثلاثة نقاط نتعرض لها الان باختصار :   الاول: ان العملية السياسية في العراق ومنذ ولادتها بعد سقوط نظام صدام كانت لاتخلو من العناصر السنية سواء كانت شخصيات مستقلة سنية او حركات اسلامية اصولية سنية ايضا او احزاب علمانية وليبرالية ذات اصول سنية.   الثاني: ان الراي الذي يتحدث عن تاريخ طويل للشيعة في التعاون مع قوى الاحتلال وعدم رفعهم السلاح لمقاومة أي قوى محتله له هو راي مغلوط يمكن تسفيه اساسه بسهولة ولنا نموذج قريب يصلح ان نأتي به هنا، اذا ان الثورة العراقية الكبرى المعروفة بثورة العشرين قادها ضد الاحتلال الانكليزي المرجع الديني الأعلى للطائفة الأمامية ورئيس الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة الشيخ محمد تقي الشيرازي وتم التهيئة لها من قبل بعض المراجع بدءا من السيد كاظم اليزدي وصولا إلى السيد محمد تقي الشيرازي وانتهاء بالأصفهاني بل وحتى السيد محمد سعيد الحبوبي التي كانت له مساهمات فاعلة في دعمها.   الثالث: هنا سوف نحتكم الى عين الحجج التي يعتمدها هؤلاء من حيث الرجوع الى مايقوله عنهم الاخر.... ويجد المتتبع لمسار الأحداث في العراق الكثير من التصريحات الامريكية الاخيرة حول عمليات عسكرية ضد القوات الأمريكية ولكن هذه المرة ليست من قبل تنظيمات سنية وانما من قبل حركات وتنظيمات مسلحة شيعية.   فقد اقرت صحيفة نيويورك تايمز في 26 مارس 2011 بان المليشيات الشيعية تفرض تهديدا جديا على القوات الامريكية بينما تستعد للخروج من العراق... اما الجنرال جيفري بيجنان المتحدث باسم القوات الامريكية فقد وجدناه يتحدث عن اسلوب وتكتيكات الجماعات الشيعية في تنفيذ الهجمات في 24 حزيران 2011 كما نقلت ذلك شبكة ال CNN الأمريكية. وذكرت لارا جاكس من وكالة اسوشييت بريس في 30 حزيران 2011 ان المليشيات الشيعية قامت بتصعد عملياتها العسكرية ضد القوات الامريكية جاعلة من حزيران الشهر الاكثر دموية منذ سنتين.... واعتبرت صحيفة كرستيان ساينس مونيتر في 16 اب 2011 المليشيات الشيعية اكبر تهديد للقوات الامريكية بل انها اكبر من تهديد تنظيم القاعدة. بل هدد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، في زيارته التي قام بها للعراق في حزيران الفائت، بتحرك منفرد " إذا لزم الأمر", للتعامل مع التهديد الذي تواجهه القوات الأميركية في العراق من جانب مليشيات شيعية بعد ان قامت المليشيات الشيعية بقتل 14 جنديا أميركيا في حزيران وحده ليصبح أكثر الشهور دموية منذ ثلاث سنوات, كما قتل ثلاثة جنود أميركيين على الأقل في تموز من بينهم جندي قتل في يوم 10 من تمز الماضي وهو اليوم الذي وصل فيه بانيتا للعراق. وقبل ان انهي المقال بطرح بعض الاسئلة المهمة يجب ان نذكر القارئ بانه لا يجب ان نقع في مغالطة التعميم الخاطئ في هذه القضية، فلا يعني اذا ما قامت مجموعة مسلحة سنية بحمل السلاح ان جميع الطائفة السنية يحمل السلاح والامر عينة ينطبق على الشيعة، فلايستطيع احد ان يحتكر الطائفة باسمه ويدعي انه ممثلها الوحيد وغيره لايمثلها وخارج عن ساحاتها. كما انني في هذا المقال لا أتحدث عن فصيل شيعي مقاوم معين وان يكن القضية محصورة بين كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق ولواء اليوم الموعود فضلا عن تنظيمات مسلحة شيعية أخرى ربما لا تحب ان تظهر للعلن او تكون لها واجهات إعلامية. في نهاية المقال نرغب ان نختم بهذه الأسئلة التي وعدنا بها القارئ... لماذا لا يقوم الإعلام العربي المتهالك بالحديث عن هذه التصريحات الأمريكية حول الهجمات العسكرية التي تتبناها الان علنا ضدهم فصائل شيعية مسلحة؟ وكيف لا تعتبر هذه العمليات شهادة واقعية وحية على المقاومة الشيعية للوجود الامريكي في العراق؟ وهل خيار المقاومة يمكن ان يُحتكر باسم طائفة معينة؟ ومن يحق له ان يتحدث باسم المقاومة؟ وهل يمكن ان تقتصر على حمل السلاح ومحاربة الاخر بواسطته..ام ان لها طرق ووسائل اخرى؟ وهل يمكن لنا ان نجري مسحا تقويميا واجراء مقارنة دقيقة بين العمليات والهجمات المسلحة التي كانت تقوم بها مجاميع سنية في العراق وبين العمليات التي تقوم به مجاميع وفصائل شيعية لنرى مدى الالتزام بضوابط حرمة دم المسلم ومن منهما يراعي هذا الأمر؟  

الكاتب: مهند حبيب السماوي

 

اترك تعلیق

آخر المقالات