الرؤية إلايرانية لأهميتها الإستراتيجية ومكانتها الإقليمية

تحضي إيران بأهمية  إستراتيجية باعتبارها واقعة في منطقة تعد من بين أهم الأقاليم الإستراتيجية في العالم ونظرا لموقعها المميز فهي نقطة اتصال بين ثلاث مجالات أسيوية ( غرب أسيا ووسط اسيا وجنوب أسيا) ، فضلا عن ذلك لما تتمتع به هذه المنطقة من مزايا إستراتيجية شاملة لوقوعها على طرق موارد التجارة الدولية والثروات النفطية ولامتلاكها مقومات أساسية  تؤلها لأداء دورا إقليمي بارز ولتعزيز مكانتها الإقليمية. إن إدراك إيران *لأهميتها  الإستراتيجية ، مصدرة عمق ارتباط تاريخها الوثيق بثقافتها الفكرية ، باعتبارها ذات ارث ثقافي وحضاري فضلا عن تراثها الغني ، مما يمنحها القدرة على المناورة في العديد من المناطق والاستقرار في مركز الإحداث ، ويمكن أن تلعب دورا حاسما في سياستها اتجاه بلدان المنطقة ، المجاورة لحدودها ( دول الخليج العربي، العراق، وتركيا ، باكستان، والقرن الأفريقي ) ،وتمثل تبنيها لإستراتيجية متعددة الإطراف في بناء علاقاتها الإقليمية  خيارا من اجل توسيع التعاون الثنائي والإقليمي والعالمي ،ويكتسب ذلك أهمية اكبر إذا أخذنا بالحسبان الأهمية لتاريخها وحضارتها القديمة، ،لذلك وجدت إيران نفسها ساحة جذب وتأثير ثقافية نحو العالم الإسلامي  . ومن هنا رأت إيران في نفسها على الدوام , أكثر من أي بلد أخر ، المهيمن الطبيعي على جيرانه يتحلى الإيرانيون عبر الأجيال بحس متفرد بتاريخهم وعظمة حضارتهم ،وقوة ما توالى على حكم بلادهم من إمبراطوريات ملأت الدنيا وشغلت الناس...، رغم من تقلص إمبراطوريتهم على مر القرون ، وتلاشت الثقافة الفارسية بحلول التقاليد الغربية الأكثر إغراء ، دون إن يؤثر ذلك في حس وتقدير الذات والنظرة المبالغة إلى إيران ،يؤمن الإيرانيون بالنظر إلى تاريخهم وعظمة حضارتهم ، بوجوب امتلاك بلدهم الريادة الإقليمية  . ويبدو ان سياسة المكانة مدفوعة بــــ غايات  لا تبتعد عما كان أفلاطون قد اصطلح عليه  بـــــ" Thimos"وهو الجانب من الشخصية البشرية الذي يدفعها لتحقيق ذاتها ، وانتزاع اعتراف الآخرين بها. وفي ضوء ما تقدم ، حاولت إيران توظيف عزلتها فيما يندرج ضمن نطاق التبرير الذاتي الإيراني النموذجي ، بالنظر إلى ما لقية مفهوما الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس من صدى لدى الجماهير المعزولة .لا يرى حكام إيران مع ذلك في معظم الأوقات ، حين يستشرفون الأفاق ، ما يثير الاطمئنان من المشاهد السياسية في المنطقة أو التحالفات الجاهزة (4) . فتركيب إيران الإقليمي المتعدد يمنحها القدرة لأداء دور بارز في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها من اكبر الدول الإقليمية والتي لها مقومات أساسية ، فهي تمتلك كتله بشرية ضخمة وموقعا جغرافيا استراتيجيا وامتداد تاريخيا عميقا وتأثيرا معنويا متواصلا على جوارها الجغرافي ،هذه المقومات دفعتها لان تكون طرفا في المعادلات الإقليمية (5) .وهذا ما تحدث عنه الرئيس الإيراني السابق "هاشمي رفسنجاني قائلا :"إن بلادة قادرة على النهوض بدور القوة ، التي تدعم الاستقرار في المنطقة، وفقا لقواعد العدل ،واحترام حقوق الشعوب الإقليمية  .                                        ومن جانب اخر ، لقد كانت مخرجات غزو واحتلال العراق احد الأسباب في تصاعد النفوذ الإقليمي الإيراني في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة والسعي لانجاز هذا الهدف ،كما تعد حلقة الوصل بين الشرق الأوسط واسيا فهي فضلا عن الإمكانات العسكرية التقليدية لها نفوذ ثقافي وسياسي واقتصادي متصاعد ومؤثر، وإيران تقليديا تجيد استخدام القوة الناعمة –أي القدرة على استخدام السياسة والثقافة للسعي لتحقق مصالحها الإستراتيجية ، وهي تختلف عن الولايات المتحدة التي تمتلك القدرة على استخدام القوة الصلبة ، وتتفوق إيران على الغرب بما تملكه من معرفة بالمنطقة ، وإجادتها للغاتها وثقافتها ،بما تملكه من علاقات تاريخية قوية ، وبينما سعت الولايات المتحدة إلى تغيير وإصلاح الشرق الأوسط فان إيران تميل إلى التعامل مع الأمر الواقع (7) .لقد كشف غزو واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 الاتجاهات الجديدة للإستراتيجية الإيرانية محاولة بذلك الاستفادة من غياب ألمواز الإقليمي لها محاولة بذلك تعريف دورها الجديد ومصالحها في المنطقة والاعتراف بها كقوة إقليمية . إن التأثير الذي تتمتع به إيران لبلوغ مرتبة القوة الإقلـيـمــيــة الــرئـيــسـيــة يـمـكــن الاسـتـنــاد إلـيه في تفسير هذا التطور الذي شهدته التهديدات الإيرانية لدول الخليج العربية ، في مجال لإبراز عناصر قوتها وقدرتها على التأثير على الأوضاع في المنطقة للجانب الأمريكي ، وهو ما أشار إليه" حامد زهرى" ، مسؤول حكومي سابق ، "من إن إيران هي بالفعل قوة عظمى في المنطقة وإنها احتلت المكانة الصحيحة ، ولا مجال العودة إلى الوراء" ، وهذا ما ردده "محـســن رضـائي" ، بـقـولــة " لمـاذا لا تــكــون إيــران هي حــامـل راية السلام والتنمية والديمقراطية في المنطقة . ان المنطقة لا يمكن ان تنعم بالأمن والاستقرار في غياب إيران وكل الدول بحاجة الى الوجود الإيراني حتى الأمريكيون" . ولعل ابرز دلالات تنامي المكانة الإقليمية لإيران سعيها المتواصل والحثيث نحو تجنبها لأية توترات مع مجموع الدول المحاذية لها، وميل إيران لتصالح تدريجي مع البيئة الدولية وعدم استخدام البعد الطائفي في سياستها الخارجية، ورغم أن إيران لن تحقق مكانة الدولة المركز خلال المدة حتى عام 2020 إلا أنها تضع خطاها على أول الطريق وستعرف علاقات إيران بآسيا الوسطى تنامياً متواصلاً يعزز المكانة الإقليمية لها في بيئاتها الإقليمية المختلفة . إن أهمية التغير في إستراتيجية إيران، ناتج عن تغير في المدركات، لأسباب خاصة بتحولات يشهدها النظام الإيراني ، فقد كتب الرئيس الإيراني  "حسن روحاني" في مقاله الذي نشرته جريدة "الواشنطن بوست" مؤخرًا، عن تطور مكانة إيران قائلا "إن ما تحاول إيران فعله اليوم، هو تحويل التهديد الذي يحيط بها من كل جانب إلى فرص، وتوظف لأجل ذلك التنافس والتعاون في ساحات الصراع المتعددة التي باتت إيران لاعبًا رئيسًا فيها. ولا تعدو الساحة السورية أن تكون رقعة شطرنج تحذو فيها إيران حذو روسيا، لتمارس استعراضًا للقوة والنفوذ، مع تحذير ناعم بتبعات تجاوزها في ترتيبات حل الأزمة" . ثمة وجه أخر نعده حدودا لفكرة المكانة الإقليمية لإيران  عبر لعبها دور البديل الاستراتيجي ،  فإيران شريك للعرب بحكم الصلات التاريخية والجوار الجغرافي والتداخل السكاني فهي تطل على الخليج العربي ، ... ، وباقي الدول المطلة على الخليج هي أقطار عربية ، ولما كان الخليج هو المنفذ البحري الوحيد لإيران والمعبر الرئيس لنحو 80% من صادرات نفطها ، فان العلاقات العربية _الإيرانية  تكتسب أهمية خاصة ، ونتيجة الصراع الإيراني–الأمريكي  بشان البرنامج النووي الإيراني ، فان إيران لا تشكل في الوقت الراهن بديلا استراتيجيا أساسيا للعرب في ما يتعلق بالقضايا الأمنية ، وخاصة اذا كانت الإستراتيجية العربية هي للتســوية الـســلمــيــة للــصــراع الـعــربي–الإســرائيلي ، ولكنها بــديــل مهــم إذا كــانت تــلك الإســتراتـيـجية تدور حول المقاومة ، ولذلك تظل إيران بديلا استراتيجيا في المدى البعيد إلى إن تحل الأزمة النووية . لقد جعلت تلك الأهداف تصب مجتمعةً في المصلحة القومية العليا لإيران ألا وهي الاعتراف بها كقوة إقليمية في المنطقة تمتلك نفوذًا يوازي النفوذ الأميركي فيها، باعتبارها موازنًا ندًا (counterpart  ) لا يمكن تنحيته عند مناقشة أية ترتيبات خاصة بما تعتبره مجال النفوذ المباشر لسياستها الخارجية وأمنها القومي وخاصة في منطقة الخليج  .

م.م فراس عباس / باحث

 

اترك تعلیق

آخر المقالات