ما بين نوايا الناتو وصواريـخ الأشتر حلفاء سوريا يجيدون أيضاً لعبة الهاوية

لا يمكن لأي مراقب فصل عناصر المشهد عند الحديث عن أي من مكونات «محور المقاومة» في المنطقة. صحيح أن سوريا تعاني وضعاً أمنياً وسياسياً معقداً، ولكن الصحيح أيضاً أن حلفاء سوريا يجيدون اللعب عند حافة الهاوية، وأنهم لم يستخدموا بعد أوراق قوة - أقلّه في العلن - تعادل كفة الردع مع محور الاعتدال، ومن خلفه المجتمع الدولي المتفوق بعنصر الإعلام بنوعيه: التقليدي والجديد. أحد الأمثلة البارزة لهذا التفوق النمط الذي تتناقله وسائل الإعلام تقارير حول نية حلف شمال الأطلسي (الناتو) شن عمل عسكري ضد سوريا. يلفت الانتباه في هذه التقارير ملاحظتان: ـ إسقاط أوراق القوة لدى سوريا وحلفائها وتغييب كل الظروف الإقليمية والدولية (بدءاً بالأزمة المالية الصامتة في أوروبا والعلنية في الولايات المتحدة إلى المستنقعات الموحلة في ليبيا والعراق واليمن وأفغانستان وصولا حتى «الربيع الإسرائيلي») عند تقدير الخطوة الدولية التالية في الملف السوري، فتظهر دمشق - بحسب هذه التقارير- وكأنها معزولة وسط عالم لا يملك حلفاؤها فيه سوى التفرج على عمق استراتيجي لهم يغرق ويسقط بيد ما يسمى الاعتدال العربي. ـ المصادر التي يعتمد عليها الإعلام في نشر الأنباء: نوايا الناتو العسكرية نموذجاً. كان موقع «تيك دبكا» الإسرائيلي أول من رسم هذا السيناريو بالاستناد إلى تصريح لرئيس البعثة الروسية في «الأطلسي». ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الموقع المذكور إلى الدعاية والحرب النفسية، غير أنه - والحق يُقال - يُحسن خوضها أفضل بدرجات من مواقع مثيلة له. بعد إنشائه موقعه عام 2000 بالتعاون مع زوجته الصحافية «ديان شاليم»، ظهر مؤسس «تيك دبكا» الصحافي «غيورا شاميس» في مقابلة تلفزيونية على إحدى القنوات التلفزيونية الإسرائيلية ليتحدث عن مصداقية وسيلته الإعلامية بعد أن لفت الأنظار بقدرته على ضخ كم كبير من التقارير ذات الطابع الاستخباراتي والعسكري. المتابع لتلك المقابلة يدرك مدى اتساع الهوة بين قدرة الرجل، البالغ من العمر 58 عاما، على ابتداع السيناريوهات وكسب المال من التقارير والنشرات التي يبيعها عبر موقعه، واستحالة قيامه بعمله هذا من دون ارتباطات أمنية مع أجهزة محترفة. تتضح الصورة أكثر حول أهداف «دبكا» بالإشارة إلى تركيزها في السنوات الخمس الأولى لإنشائه (عقب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000) على أخبار تنظيم القاعدة والإرهاب الدولي بما يمّس مشاعر الإدارة الأميركية تحديدا. غير أن هذه الوظيفة تعرضّت لطعنة في مصداقيتها في آب 2007 حين نشر الموقع تقريراً كاذباً عن مخاطر بوجود قنبلة قذرة في مدينة نيويورك، ما أطلق حينها سلسلة تحقيقات حول خلفيات «دبكا» وهوية الجهات التي تديره. ولئن كان أسلوب الموقع بات معروفا لناحية اتقانه تمرير معلومات مضللة ضمن سلة أخبار لها مصداقية إلى حد ما، وهو أسلوب استخباراتي بامتياز، فإن شهادات خبراء مرموقين فيه قد تكون كافية لحسم النقاش. في هذا الصدد، يقول مراسل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون برغمان أن «دبكا يعتمد على مصادر لها أجندتها الخاصة، كالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة»، مضيفا أن «المسؤولين الرسميين في الاستخبارات الإسرائيلية لا يعتبرون حتى أن 10 في المئة من مضمون الموقع ذو مصداقية». أما البروفسور في كلية الحقوق في جامعة «كورنيل» مايكل دورف فيختصر رأيه بالقول إن «دبكا» يشكل «أفضل موقع إسرائيلي في تجارة الإشاعات». أما بالنسبة لمحتوى التقارير حول خطط التدخل العسكري في سوريا فإن نفس مضمونها يُسقطها من ضمن التقديرات والتحليلات العلمية، ذلك أن سيناريوهات أي عمل عسكري مماثل لا يمكن اختصارها بتصور لمجريات من طرف واحد. عودٌ على بدء. الموقف الوحيد الذي نُقل عن «محور المقاومة» بخصوص ما يجري في سوريا كان في تقارير تناقلها إعلام الاعتدال عن لهجة إيرانية حازمة اتجاه الأتراك بأن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي عمل عسكري ضد دمشق. دون هذا السقف، الكثير من أوراق القوة التي لم تُفعّل بعد. أحد عناصر الصراع ما يجري في الآونة الأخيرة من تطورات أمنية على الساحة العراقية. وتشهد بلاد الرافدين تصاعداً ملحوظاً في العمليات العسكرية ضد الاحتلال الأميركي منذ مطلع السنة الحالية، حتى وصل معدل العمليات أعلى مستوى له منذ سنتين، بحسب الإحصاءات الشهرية لمشروع العراق في معهد «بروكينغز». بطبيعة الحال، اقتراب موعد الانسحاب سبب رئيسي لتصاعد وتيرة العمليات، لكن أسباباً مستجدة أخرى تدخل في إطار تبادل رسائل «من العيار الخفيف» هي أيضا في صلب هذا التطور. حراك زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الأخير ليس مستقلاً أبداً عن المشهد الإقليمي، مع الإشارة إلى أن تهديده بإعادة إطلاق العمليات ضد الأميركيين لم يعد موقفاً سياسياً أو حرباً نفسية، باعتبار أن «لواء اليوم الموعود» المحسوب على التيار الصدري لم يوقف عملياته. العمليات، التي تشكّل نسبة القتلى الأميركيين فيها بالعبوات الخارقة للدروع المزروعة على الطرقات، تبلغ 25 في المئة من المجموع العام، بينما يتوزع الباقي ما بين قصف مدفعي وهجمات صاروخية تستهدف قواعد عسكرية من مسافات قريبة، وأشدّها تأثيراً تلك التي يُطلق عليها جيش الاحتلال اسم «العبوات الطائرة»، أو ما يُعرف لدى فصيل «كتائب حزب الله في العراق» (صاحب الحق الحصري في هذا الاختراع والاستخدام بحسب الاحتلال نفسه) باسم «صواريخ الأشتر»، وهي عبارة عن حاويات تحوي عشرات الكيلوغرامات من المتفجرات وتُطلق بشكل مقذوف بأكثر من عشرة في العملية الواحدة، تتميز بقدرة كبيرة على القتل عند إطلاقها من على متن شاحنات تقف عند مسافات قريبة نسبياً من القواعد العسكرية. تعترف مصادر مقربة من المقاومة العراقية بأن هناك قراراً بتكثيف العمليات في هذه المرحلة تحديداً، خاصة أن «بقاء الاحتلال الأميركي من خلال سفارة تحوي 3 آلاف موظف، فضلا عن 30 ألف جندي مرابطين في مطار بغداد ولواء لحماية السفارة ناهيك عن التواجد الأمني والاقتصادي واستمرار الهيمنة على القرار العراقي»، واقع ترفض معه «الكتائب» الحديث عن حصول «انسحاب أميركي»، وبالتالي فإن تصعيد العمليات وإدخال أسلحة جديدة للميدان «لا يزال رهناً بقرار من قيادة المقاومة» على ضوء المشهد ما بعد نهاية العام الحالي، الموعد المحدد للانسحاب. علماً أن الأسلحة المميزة التي تستخدمها «الكتائب» حتى الآن تشمل، إضافة إلى «الأشتر»، قاذفات «بي 29» المضادة للدروع والعبوات الخارقة للدروع. لا تجد «كتائب حزب الله» نفسها معزولة عما يجري إقليمياً، بما أنها تعتبر نفسها معنية «بالتصدي للمشروع الأميركي - الصهيوني» من خلال «تضامن عملياتي ميداني عملي في حال تعرض أي دولة إسلامية لعدوان من قبل هذا المشروع». ولسوريا وإيران نظرة إيجابية خاصة باعتبارهما «تدعمان الأحرار في العالم»، في مقابل موقف سلبي من الأردن والسعودية ودولة الإمارات والنظام الكويتي. من هنا، قامت «الكتائب» مؤخراً بتوسيع النطاق الجغرافي لعملياتها بعد أن كانت تتركز في بغداد والبصرة والناصرية فأسست لتواجد عملياتي في الحلة وميسان وصلاح الدين، في حين وسعت «عصائب أهل الحق»، الفصيل الآخر المتهم أميركيا بتلقي دعم وإمداد من الحرس الثوري الإيراني، من دائرة نشاطها إلى كركوك والموصل، مع محاولتها إطلاق تعاون مع مقاومين في الفلوجة وديالى. في الخلاصة، تتناقل أوساط مطلعة في محور الممانعة حكمة سياسية للإمام علي: « في الفتنة كُن كابن اللبون (ابن الناقة الصغير) لا ظهرٌ فيُركب ولا ضرعٌ فيُحلب». في حالة سوريا، لا يمكن للمجتمع الدولي ركوب ابن اللبون من دون الأخذ بعين الاعتبار ردات الفعل «اللاتناظرية» التي يبرع بها حلفاء دمشق.   الكاتب : علي شهاب

10-8-2011

اترك تعلیق

آخر المقالات