انما وُصف الغدير بانه عيد الله الأكبر في روايات ائمة الهدى (ع) لانه يمتد عبر التخطيط الاستراتيجي في المشروع الرسالي الالهي ليكون المعيار والمقياس الذي تتحقق في ظله الاهداف العليا في المنظومة العقائدية والفكرية والسلوكية في رسالة الاسلام التي تعتبر الخاتمه للرسالات الالهية، فجاء الغدير بابعاده الثلاثة - العلم، والاعتقاد، والسلوك - خلاصة لجهود الانبياء والاوصياء على مدى تأريخ الصراع بين الحق والباطل، فالغدير هو المحور في الهيكيله التنظيمية للرؤية الكونية الالهية اتجاه الكون والحياة، وهذه المحورية تبتني على الابعاد الثلاثه وهي البعد العلمي الذي ترتكز فيه الرؤية الكونيه الالهية لعالم الوجود على ركيزة العلم في الوصول الى الحقائق واهم تلك الحقائق واشرفها هي وجود الخالق الواحد الحكيم للعالم كله، وان حكمته اقتضت إرسال السفراء إلى خلقه وهم الأنبياء والرسل والأوصياء ـ ليكونوا وسائط هداية وصلاح بين الخلق والخالق ومن خلال تطبيق الأحكام الإلهية يصل الإنسان إلى كماله وسعادته المخطط لهما، ووصول الإنسان إلى هذه الرؤية الكونية يعتمد على العلم والبرهان، وإقامة الحجة العلمية الواضحة «فاعلم انه لا إله إلا الله» (محمد: 19)، وانه تعالى أرسل الرسل إلى العباد «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط» (الحديد: 25)، والاعتقاد بالنبوة الخاصة لنبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وان هذه النبوة ومنهاجها هي الطريق الأكمل والأمثل لتحقيق أهداف المشروع الإلهي، كل ذلك يكوّن التصور للإنسان في حركته الفكرية في الحياة.
وكذلك البعد الاعتقادي، أي ان ما تقدم من البعد العلمي سوف يظل في مجال التصور الذهني ما لم ينزل إلى القلب في عملية اعتقادية ترسّخ وتثبّت الأفكار التي اسستها الرؤية الكونية في البعد العلمي بتفاصيلها ونقلها إلى مرحلة اليقين والثبات من خلال التصديق الجازم والاعتقاد القلبي الحاسم الذي يطرد الشكوك، ـ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ـ ثم ان هذا البعد فيه مراتب تمتد من ثبات الإيمان إلى درجات عالية يختلف فيها المؤمنون كل بحسب حاله، وكل مرتبة من هذه المراتب تعتمد على مدى صلابة البعد العلمي الذي كونه في المرحلة السابقة، وقد ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام) ان الإيمان عشر درجات، وما في مضمونه. وايضا البعد السلوكي ـ العملي ـ: هذا البعد هو هو النتاج العملي والثمرة الخارجية للبعدين العلمي والاعتقادي الّذين تقدما ـ لأن العلم يدعو إلى الاعتقاد والاعتقاد يدعو إلى العمل وترتيب الأثر، فتظهر النتائج في هذه المرحلة، وأي خلل في هذا البعد السلوكي يساهم في عدم تحقق أهداف المشروع الغديري الإلهي، فان المطلوب من المؤمن ان يرتبط بخالقه بالعلم والاعتقاد الجازم الذي يرفعه إليه سبحانه عمله الصالح «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» (فاطر: 10) والكلم الطيب هو الاعتقاد بوحدانية الله تعالى، والذي يرفعه هو البعد الثالث في المنظومة المترابطة وهو العمل الصالح، وفي ظل هذه الرؤية المتكاملة فان الغدير انما صار عيد الله الأكبر لانه يحقق الأبعاد الثلاثة التي أرادها الله تعالى من جميع خلقه «اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً» (المائدة: ٣)، فهذه الآية نزلت بعد تنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إماماً على الأمة من بعده، وحافظاً للدين الإلهي، وقائماً على تطبيق الشريعة وهذه خلاصة جهود الأنبياء والأوصياء على طول التأريخ. واما بالنسبة للشق الثاني من السؤال وهو كيف يمكن للمؤمن ان يحقق أهداف الغدير؟ يكون الجواب هو تحقيق أهداف الغدير يكون بالالتزام بالأبعاد الثلاثة المتقدمة ـ العلم والاعتقاد والسلوك ـ وان المؤمن يتسلح بالعلم والبرهان في الوصول إلى رؤية كونية قائمة على التوحيد، ويجعلها أرضية للاعتقاد الجازم، بالأنبياء والأوصياء والكتب السماوية واليوم الآخر ثم يستثمر كل ذلك في سلوكه العلمي الذي يجب أن يكون مطابقاً للشريعة في كل حركاته وسكناته.