الكاتب: غالب قنديل
انطلقت موجة إعلامية دولية وعربية صاخبة حول الأحداث التي شهدتها بعض المدن الإيرانية، وانطلقت من مواقع ومراكز اميركية سيناريوهات تذكرنا بما شهدناه في السنوات الماضية حول سورية وما سمي بالربيع العربي وما سبقه في إيران خلال احداث ما سمي بالثورة الخضراء.
من الواضح وجود رهان أميركي وغربي قوي على تحويل الأحداث في إيران إلى فرصة للنيل من صلابة الموقف الإيراني الاستقلالي المناهض للهيمنة الاستعمارية الغربية الصهيونية في المنطقة وهذا ما عبر عنه تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبغض النظر عما سوف يتكشف من الوقائع حول تدخلات أميركية وغربية قد تكون ساعدت في تهيئة وتحضير الاضطرابات او في التدخل عبر استثمار تحركات عفوية انطلقت لأسباب اقتصادية واجتماعية داخلية خالصة هي من اعراض النمو الاقتصادي والمالي كما شرحها بعض الكتاب لكن يسعى المتدخلون إلى تحويلها لمسار اعتراض سياسي يناسب منظومة الهيمنة الأميركية الصهيونية في المنطقة وادواتها الرجعية المتذمرة من صعود الدور الإيراني الداعم لقوى المقاومة وخصوصا للانتفاضة والمقاومة في فلسطين المحتلة بعد قرار ترامب الخاص بتهويد القدس.
الدوافع الأميركية والغربية والصهيونية والرجعية العربية لا تعد ولا تحصى والأحداث السابقة حملت وقائع عديدة عن وجود تدخلات مخابراتية وإعلامية ومالية لزعزعة إيران كما جندت فيها عصابات القاعدة وداعش مؤخرا وسبق ان استعملت أدوات الحرب الناعمة الإعلامية والمخابراتية وقد فضحت تقارير عديدة دور منظمة جورج سوروس في ما عرف بالثورة الخضراء.
لا يكفي في معالجة الأحداث وفهمها توصيف الهجوم الاستعماري الصهيوني الرجعي او افتراض المؤامرة وكم تبدو حكيمة وراهنة خلاصة الرئيس بشار الأسد التي اوردها في بداية الحرب على سورية وفحواها ان الدولة الوطنية السورية كانت دائما مستهدفة بسبب مواقفها القومية وخيارها الاستقلالي التحرري وأعداؤها استطاعوا تنفيذ خططهم والنفاذ إلى الداخل السوري من خلال ثغرات قائمة تمكنوا بواسطتها من العمل لتحقيق خططهم التي تكاملت فيها ادوار الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي عبر منصات العدوان وغرف العمليات والأحلاف الدولية والإقليمية التي قادتها الولايات المتحدة.
إيران مستهدفة أصلا ومنذ انتصار الثورة، لأنها دولة تحررية استقلالية تعادي منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة .
إيران مستهدفة استراتيجيا لأنها قوة كبرى ناهضة وشريكة لروسيا والصين في بلورة تكتل شرقي ضد الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم .
إيران مستهدفة مباشرة لأنها لعبت دورا نوعيا في هزيمة المخطط الاستعماري الصهيوني الرجعي لشن حرب بالوكالة بواسطة عصابات التكفير في سورية والعراق ولاستهداف المقاومة في لبنان، وشكلت مساهماتها قوة حاسمة في دحر هذا الاحتياطي الإرهابي المتوحش الذي جندته المخابرات الغربية والحكومات الرجعية التابعة لتدمير الدول الوطنية والجيوش الوطنية ولتفتيت المجتمعات.
إيران مستهدفة دائما لدورها الحاسم في بناء وتكوين قوة محور المقاومة منذ عقود عبر تحالفها مع سورية ودعمها المباشر لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين .
إيران مستهدفة راهنا لأنها الدولة الإقليمية الكبرى التي تجاهر بمجابهة الكيان الصهيوني وبدعم المقاومة والانتفاضة في فلسطين وهي تلعب دورا مهما في التصدي لخطة تهويد القدس التي فعلها قرار ترامب الأخير.
هذا الاستهداف متعدد الأوجه والمحاور يفترض خطة شاملة للمواجهة الإعلامية والثقافية والفكرية مع هذه المحطة الجديدة التي تسقط كل الاوهام عن إلقاء القوى الاستعمارية لأسلحتها واعترافها تلقائيا بنتائج كفاح الشعوب وهي اوهام حركت رهانات خاطئة في اوساط محور المقاومة بعد الاتفاق النووي فالقاعدة المنهجية التي ترجحها التجارب عبر التاريخ هي ان العدو الإمبريالي لا يلبث ان يرغم على التراجع والاندحار حتى يسعى لاستجماع قواه وتوليد موجات جديدة من الضغوط والتدخلات للنيل من إرادة الاستقلال والثأر من القوى التحررية والمقاومة أوعلى الأقل لمنعها من حصاد انتصاراتها وإطلاق ديناميات سياسية جديدة تغير المعادلات والتوازنات.