تبدو في الرؤى الاولى لملامح التعاون التركي –الاسرائيلي على الصعيد الاقليمي والدولي كوابح ومعوقات، تشكل في مجملها احتمالية توتر وتراجع او اندفاع وتعاون في المستقبل، وتتبلور المعوقات على المستوى الدولي والإقليمي.
أولاً: على المستوى الدولي: تتلقي تركيا ضربات عدة من الغرب أدت إلى خذلانها, مثل رفض انضمامها للاتحاد الأوربي منذ عقود, ووقوف الغرب لصالح اليونان وأرمينيا في خلافاتها مع تركيا, وعدم تصويت الغرب لصالح تركيا في القضية القبرصية عام 1965م, الأمر الذي شكل بداية صحوة لتركيا ومحاولة منها للاقتراب من الشرق, باتجاه تعزيز علاقاتها مع العالم الإسلامي في شتى المجالات, وخاصة العرب. أدت تلك السياسة عملياً إلى التخلي عن فرضية (التقرب من إسرائيل), من شأنه أن يفتح البوابة الأوربية أمام الانضمام التركي, أو أن يزيد من الضغط الأمريكي على الأوربيين على الأقل في هذا المجال, ولذلك فقد أصبحت الورقة الإسرائيلية غير ذات معنى أو جدوى في ذلك الأطار. ثانياً: على المستوى الإقليمي: أن الحقبة القريبة الماضية حفلت بمتغيرات كثيرة كانت قد طرأت على العلاقات التركية الأسرائيلية, والتي جعلت من الأخيرة أقل أهمية في الحسبة الكلية الإستراتيجية للأتراك, وذلك لأسباب عدة أهمها:
1.التقارب التركي- العربي إن في مقدمة الأسباب التي تشكل كابحاً في تنامي العلاقات التركية الإسرائيلية هو اهتمام الأولى بمصالحها الإقتصادية في المنطقة، وفتح أسواق المنطقة أمام المنتجات التركية, وتوسيع نطاق التعامل الاقتصادي مما يفسر احتمال مساندة تركيا كبار رجال الأعمال والصناعة والعرب في دعمهم لخطط صانع القرار في تنشيط الاقتصاد التركي. فأن تركيا تتطلع إلى البحث الدائم عن أسواق خارجية لصادراتها وشركاتها وعن استثمارات أجنبية في قطاعات متنوعة. كما أن الذي يدفع تركيا للتوجه نحو محيطها الاقليمي وبالأخص المحيط العربي هو وضعها الاقليمي والدولي فتركيا لم تصبح لحد الان عضواً في الجماعة الأوربية ومازالت أمامها العديد من العوائق في سبيل تحقيق ذلك لا سيّما أثر ضعف أهمية الموقع الأستراتيجي لها كذراع لحلف الشمال الأطلسي مما يساعد ذلك على السعي للقيام بدور مؤثر في السياسة الأقليمية ورغبتها في أقامة علاقات أقتصادية مع المنطقة العربية. وقد أجاده العرب التعامل مع تركيا بموقف موحد وليس بشكل منفرد (بناء سياسة عربية جديدة تجاه تركيا) ليقدموا لتركيا البديل عن أسرائيل, خاصة في مجال الأقتصاد من خلال أقامة أستثمارات عربية خليجية داخل تركيا, الأمر الذي سيعود بالفائدة على الطرفين, أضافة إلى سحب الأموال العربية من البنوك الاوربية والأمريكية, ووضعها في البنوك العربية والتركية بدلا من ذهاب فوائد هذه الأموال لدعم التسليح في أسرائيل, وتشجيع السياحة العربية لتركيا, وأعطاء النفط العربي لتركيا بأسعار تفضيلية, وتفعيل التبادل التجاري بين تركيا والعرب, وبالمقابل توفر تركيا المياه للدول العربية التي تعاني شحاً في مواردها المائية, فإذ تم ترابط المصالح بينهما فلن تستطيع المؤسسات العلمانية ولا غيرها احباط هذا التعاون, خاصة في ظل الأوضاع الأقتصادية في تركيا وتردي مستوى المعيشه فيها. وأن وجود حزب العدالة والتنمية في السلطة وتنفيذ مشاريع أقتصادية في تركيا من خلاله, وتقديم المساعدات النفطية والمالية لتدعيم موقفهُ وشعبيته في مواجهة المؤسسات العلمانية, واستثمار الخلافات التركية الإسرائيلية حول القضية الفلسطينية والقضايا العربية الاخرى, وتصريحات بعض المسئولين الإسرائيلين التي تتهم تركيا بأبادة الأرمن وأضطهاد الأكراد, من أجل أبعاد تركيا عن أسرائيل وتقريبها من العرب. وربما تتحول العلاقات التركية الأسرائيلية لتنافس وصراع على قيادة المنطقة, لأنهما الدولتان المؤهلتان لذلك بحكم قربهما من الغرب, ولقوتهما العسكرية, ولأنظمتها السياسية الديمقراطية, ولتطورهما الصناعي, مع وجود بعض المزايا لصالح تركيا, ومنها المكانة الحضارية والثقافية كجسر للوصل بين الحضارتين الغربية والشرقية, وأنتماؤها للمسلمين. 2.التقارب التركي -الأيراني أبرمت تركيا وإسرائيل مع ايران اتفاقاً لحل أزمة الملف النووي الأيراني, وهو الاتفاق الذي أتهمه الغرب وأسرائيل بأنه يحتوي شقاً عسكرياً سرياً تسعى من خلاله ايران, والتي تّعد العدو لأسرائيل إلى حيازه القنبلة النووية, وقد أدى ذلك الأتفاق الذي وصفه رئيس الوزراء الأسرائيلي (نتياهو) بالخدعة, إلى تعميق هوة الخلافات بين أسرائيل وتركيا. 3.تحولات القضية الكردية كانت المتطلبات التركية تجاه الأكراد تقتضي أن يكون علاقات تركيا الأمنية, والأستخبارتية مع أسرائيل قوية, نظراً لقدرة الأخيرة على مساعدة في هذا الملف بشكل فاعل, لا سيّما إذ ماعلمنا أن العديد من المعلومات تقاطعت حول دور مفترض لأسرائيل في القبض على المتمرد الكردي الأول (عبد الله أوجلان) في عام 1999م وتسليمه إلى السلطات التركية, لكن أنفتاح تركيا على أكراد الداخل, وعلى أكراد الخارج عبر جيرانها الذين يشاركون الحساسية الكردية, والتواصل المباشر مع أكراد العراق, أفقدا العامل الأسرائيلي دوره وأهميتهُ. أن هذا العامل يدل دلاله واضحة على مدى عمق الذكاء التركي والوعي السياسي الأستراتيجي لدى قادتها في العمل على تشكيل وجه تركيا الجديد, والعمل على أستقلالية هذه الدولة في سياستها الخارجية, كما يظهر الوعي السياسي في قضية الأكراد إذ كيف تترك تركيا لأسرائيل أن تتحكم في هذا الملف وان تطلب مساعدتها في قضية تخص الأمن الوجودي والقومي لتركيا, وهي المعنية مباشرة في حل هذه القضية, بينما أسرائيل التي تبعد جغرافياً وقومياً عن الأكراد, كيف نسجدت علاقات قوية جعلتها ورقة رابحة في الضغط على تركيا وجعلها في حاجة لها على الدوام. لذلك فان تركيا أخذت بزمام الأمور بنفسها وقد أدركت مدى ضرورة التمتع بالثقة الذاتية, بسياستها وعلاقاتها وبقدتها على التحرك بتوازن مرن تستطيع من خلاله أن تكسب الأصدقاء الأكثر من الأعداء, وان تقوم بتسوية المشكلات المحيطة بها بأقل خسارة وتكلفة, ودون أن ترهن ذمتها لأحد ليضغط عليها أو يسوقها لوقائع لاترغبها, مما جعل العالم العربي ينظر بأهمية بالغة إلى الدور التركي الضروري, وتدرك تركيا أهمية ترسيخ العمق العربي والأسلامي لتركيا, وخلق العلاقات الأستراتيجية النابعة من الثقة المتبادلة دون المصلحة فقط. وان التلاقي في المصالح التركية العربية تجاه تقارب الأراء وتنسيق المواقف بينهما فضلاً عن معارضة كل من تركيا والعرب لتغلغل أسرائيل في شمال العراق ودعمها العسكري والتقني للأكراد مما يهدد أمن وأستقرار دول الجوار الجغرافي, ويجعلها عرضة لتحرك الموساد الأسرائيلي, ومنافسة الشركات الأسرائيلية للشركات التركية لأعادة أعمار العراق, الأمر الذي ترى فيه تركيا تعدياً على مجالها الحيوي والأقتصادي الذي يشكل فرصة مناسبة أمام شركاتها للأستثمار والربح, خاصة في شمال العراق. 4.القضية الفلسطينية وتأثيرها في تركيا أن أقامة تركيا علاقات متطورة مع أسرائيل من شأنه حشد العالم العربي كله ضد تركيا. وهو مايعني أقصاء تركيا عن المنطقة فعلياً, فتجد أن التوترات العربية الأسرائيلية تلقي صعوبات كثيرة على علاقات تركيا بأسرائيل. وأدى التقارب التركي الإسرائيلي الذي تمت صياغته برعاية أمريكية إلى بروز تحفظات على علاقة تركيا مع قوى دولية أخرى في مقدمتها الأتحاد الاوربي ودول أسيا وأفريقيا ومنظمة المؤتمر الاسلامي بسبب سياسات أسرائيل الأرهابية ضد الشعب الفلسطيني الذي أثار حفيظه المجتمع الدولي ضد أنتهاكات حقوق الأنسان في فلسطين وأثارة الرأي العام العالمي والعربي والتركي ضد أسرائيل. مما أدى إلى دخول تركيا إلى قلوب الشعوب العربية والأسلامية وذلك عن طريق بوابة القدس والقضية الفلسطينية. ومنذ وصول (رجب طيب اردوغان) إلى السلطة عمد إلى أتباع سياسة أكثر برغماتية في النظر للقضايا العربية وهو ما أثر سلباً على علاقة تركيا بأسرائيل. فعلى سبيل المثال كانت تركيا أولى الدول التي أستقبلت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (خالد مشعل) عقب فوزها في الأنتخابات التشريعية الفلسطنية في يناير /كانون الثاني 2006م. ووجهت تركيا أنتقادات شديدة لأسرائيل أبان حربها العدوانية على جنوب لبنان صيف 2006م. أن تركيا حاولت بعد ذلك أتباع سياسة متوازنة في قضية الصراع العربي الأسرائيلي, فقام (أردوغان) بدعوة كل من الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) ونظيرهُ الأسرائيلي (شمعون بيريز) لزيارة تركيا أوائل عام 2007م, وقد أشار كلاهما بدورهما بدور تركيا الأيجابي في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. بالأضافة إلى أن العدوان الأسرائيلي على قطاع غزة في كانون الأول/ديسمبر 2008م, دفع بتركيا إلى ألغاء مناورات نسر الأناضول التي تشارك فيها أسرائيل, وقامت بأجراء مناورات عسكرية مع سوريا للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بينهما, وربط (أحمد داود أوغلو) وزير الخارجية التركي ألغاء المناورات بالوضع في غزة. كما أكد ذلك تصريحات رئيس الوزراء التركي (أردوغان) قوله: "ان تركيا منعت أسرائيل من المشاركة في المناورات العسكرية, بسبب قلق الرأي العام التركي بشان العدوان الأسرائيلي على قطاع غزة". أن تركيا لاتزال هي الداعم الأول للقضية الفلسطينية، على الرغم هناك العديد من النقاط الخلافية بين تركيا وأسرائيل حول عدة أمور بهذا الصدد، وان تركيا تعهدت بدعم الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) حتى يحصل على أعتراف الأمم المتحدة بقيام دولة فلسطينيه وهي الأمور التي قد تسبب أحتكاكاً وتوتراً جديداً في العلاقات بين تركيا وأسرائيل، وأن السياسات الإسرائيلية التوسعية والعدوانية في المنطقة يصعب عليها الألتزام بأعتماد الأداء السلوكي الشرق أوسطي الذي يحترم حقوق الآخرين ويساعد على تحقيق الأستقرار الأمر الذي سيضعها في مواجهة دائمة مع تركيا الباحثة عن الأستقرار الإقليمي. م.م رؤى خليل سعيد