حرب أميركية تردعها مفاجآت إيران!

ليست هي الحرب تماماً، ولا هو السلام المستحيل أصلاً مع نظام عنصري مقيت يلهث للخروج من صورته المهشمة على يد الراحل عماد مغنية ومحمود المبحوح بل هو الانحدار المتسارع لهذا الكيان نحو الزوال بيقين السيد القائد علي خامنئي وصواريخ إيران الجديدة العابرة منها للفضاء كما الأخرى المحطمة لأسطورة الميركافا والأباتشي كما تؤكد أنباء مفاجآت إيران الجديدة!. يبدو المشهد من حولنا مثيراً للغاية، سفن حربية إسرائيلية تعبر قناة السويس شاقة طريقها عبر عباب البحر الأحمر لتلتحق باستعراضات الأسطول السادس الأميركي في الخليج، وسط تهديدات متصاعدة لإيران، في وقت تقول فيه الأخيرة إن كل سفنهم وبوارجهم وأساطيلهم وكذلك من يحميهم أو يؤويهم ستكون صيداً سهلاً كما أشار وزير الدفاع الإيراني مؤخراً!. ‏ ورغم حشد طلائع السفن الحربية الإسرائيلية في المياه الخليجية، والتحاقها بالأسطول الأميركي الخامس الذي يصول ويجول في هذه المياه، فإننا نسمع ثمة من يقول إن الهدف الحقيقي من وراء كل هذه الاستعراضات إجبار إيران على تقديم تنازلات على طاولة مفاوضات النووي!. ‏ في هذه الأثناء أصدر أحمدي نجاد أمراً لرئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي اكبر صالحي بالبدء فوراً بتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة حتى ونحن نفاوض الدول الكبرى على التبادل وهو ما بدأت به إيران بالفعل يوم أمس الثلاثاء وتحت أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية!. ‏ وقد جاء هذا الأمر كما هو معلوم يوم الأحد الفائت وهو يفتتح معرض انجازات الثورة في عيدها الحادي والثلاثين حيث كانت المفاجأة الأكبر الإعلان عن توصل طهران إلى التخصيب بالليزر وهو علم جديد لم يكن قد توصلت إليه طهران من قبل وهو ما يجعلها اليوم واحدة من بين خمس دول كبرى في العالم تمتلك مثل هذه التقنية العالية!. ‏ وكما هو معلوم أيضا فقد كشفت طهران قبل أيام عن تصنيعها لصاروخين جديدين متطورين نزلا إلى سوق الإنتاج، الأول " طوفان 5" المضاد للدروع والذي قالت التقارير الاستخبارية الإيرانية إنه سيضع حداً نهائياً لحلم الميركافا الإسرائيلية والثاني وهو صاروخ "قائم" الذي سيسدل الستار نهائياً على قدرات طائرة الاباتشي الأميركية كما صرحت مصادر الحرس الثوري والجيش الإيراني. ‏ هذه التطورات وغيرها التي لا تزال في أول الطريق الطويل في أسرار الحرب الإيرانية الأميركية الباردة كما يقول العارفون ببواطن الأمور، هي التي تجعل إيران مصرة أكثر من أي وقت مضى على رفض تقديم أي تنازل مبدئي عن حقوقها الثابتة في مجال تبادل اليورانيوم في الوقت نفسه الذي تستمر في مد يدها للحوار مع من يقبل من الدول الكبرى بإجراء عملية تبادل تجارية منطقية ومقبولة بعيداً عن إملاء الشروط المسبقة كما تحلم واشنطن أو تل أبيب!. ‏ عندما تشتد الأمور وتدق طبول الحرب من الجهات الأربع المحيطة بإيران وتهدد من الخليج إلى هرتسيليا بأنها قد تتعرض لهجوم ما في أي لحظة بينما يرد ربان السفينة بالقول: (كما عودكم الإمام الخميني   قدس   بأنه لا يقدم التنازلات لأحد فإنني باسمي وباسمكم أعدكم أيضا بأنني لن أقدم تنازلا لأحد!). ‏ وعندما تعتبر واشنطن أن صعود إيران إلى الفضاء "استفزاز" كما جاء في الأنباء، في الوقت الذي يشرح فيه احمدي نجاد بكل طمأنينة وهدوء أننا لن نتمكن من هزيمة نظام الهيمنة الدولي إلا عبر الإمساك بناصية العلوم، نستطيع عندها أن نوصف بالدقة ماذا يحصل في منطقتنا منذ ثلاثة عقود!. ‏ إنها معركة الاستقلال الثانية الشاملة التي لا يريد أن يفهمها البعض، بينما يكابر الغرب العنصري والاحتكاري عن الإذعان لها!. ‏ بعد التأسيس بأشهر قليلة قالها الإمام الخميني الراحل بلغة التشديد وهو يخاطب الكادر والنخبة السياسية في البلاد: (لقنوا أنفسكم بأنكم قادرون وستكونون فعلا قادرين)!. ‏ قبلها وهو عائد من باريس إلى ارض الوطن على طائرة الإيرباص الفرنسية الشهيرة وعندما سأله الصحفي الغربي عن شعوره وهو يتجه في هذه اللحظات إلى إيران رد بالقول: (لا شيء)!. ‏ بهت الصحفي الغربي في حينه، لكنه لم يتمكن أيضا من استيعاب ما قصده الإمام، وربما ظن أن هذا الزعيم الشرقي لم يستطع التعبير عما يدور في خلجاته بلغة السياسة أو الإعلام مثلاً كما فكر الكثيرون من أبناء جلدتنا المتعلمين في الغرب أيضاً!. ‏ لكن الذين يعرفون الخميني عن قرب ولازموه أكثر أيام حياته وكانوا معه على الطائرة الشهيرة تلك، وعندما استمعوا إلى الصحفي الغربي المرافق وهو يشرح بذهول مدى طمأنينة ورباطة جأش واستقرار نفس الإمام وهو يصلي الصبح في الطائرة، ربطوا بين قول الإمام وفعله فإذا بالصحفي الغربي يذهل من جديد ويعترف بعجزه وعدم قدرته على فهم وإدراك سلوك ذلك الشيخ الجليل!. ‏ سبعة أشهر أو يزيد على محاولة الانقلاب المخملية التي سقط فيها العديد من الخواص والنخبة الإيرانية وبعض الطبقة السياسية التي حكمت إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية والإمام السيد علي خامنئي لم يرف له جفن وهو يستمع إلى التقارير التي كانت تهول وتزبد وترعد وتحذر من أخطار سقوط إيران وانهيار النظام، وكان جوابه واحدا على الدوام (اطمأنوا لا شيء من هذا سيحصل)!. ‏ وهاهي ذكرى الحادي عشر من شباط التي هزت عرش الطاغوت الأكبر والأصغر تعود من جديد لتحتفل فيها الجماهير المليونية الإيرانية وهذه المرة بشكل لا نظير له رغم ضجيج البائسين والسذج من أصحاب الغفلة الكبيرة منهم والصغيرة!. ‏ إنه المنهج الحسيني الكربلائي، ونحن نعيش أيام أربعين هذا الإمام الثائر، هذه الأيام وكما ورد في الزيارة المشهورة له: (إنك جاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين)!. ‏ نعم انه اليقين ولا غيره هو الذي يجعل رجل السياسة أو رجل الدولة والحكيم أو القائد لجماعة ما يرفض أي خضوع أو تنازل أو تراجع عن المبادئ مهما كان الموقف المحيط حرجاً!. ‏ هاهي إيران إذاً تثبت للعالم وعن جدارة تماماً كما طالبها الإمام المؤسس أنها قادرة بالفعل على انتزاع استقلالية قرارها ليس فقط في السياسة الخارجية وتوطين التكنولوجيا النووية بل في غزو الفضاء هذه المرة والإمساك بناصية علوم العالم الأهم بثبات ويقين!. ‏ وهذا هو بالضبط ما يجعل الغرب الاستعلائي وجماعة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية من طلاب العسكرة والحروب يستشيطون غضبا كلما ذكر لهم اسم إيران!. ‏ ببساطة لأنه لم يكن مسموحاً قبل ذلك أن يخرج احد عن المألوف والمشهور والمعتاد في العلاقات الدولية فإذا بدولة من العالم الثالث مستقلة ومسلمة أيضا تفاجئهم ليس فقط بالخروج على تلك المعادلة المفروضة، بل تطالب بسهمها وحصتها في إدارة شؤون عالم جديد تقول إنها ستكون من صناعه عن قريب، ومعها دول وقوى حية من قوى المقاومة والممانعة العربية والإسلامية! ‏ ببساطة فإن ثمة من أصحاب اليقين من يقول: إنه وكما فاجأهم السيد الخميني قبل ثلاثة عقود في مثل هذه الأيام من عام 1979 وغيَّر وجه المنطقة، فان خلفه السيد القائد علي خامنئي الذي بدا وكأنه ليس فقط قادراً على الإمساك بتلابيب اللعبة الداخلية في بلاده مهما حاول خصومه العبث بها، بل كذلك الإمساك باللعبة الإقليمية مهما حشدوا ومهما أزبدوا وأرعدوا، فإنه على يقين بأنه قادر على مفاجأتهم أيضا ما سيغير وجه المنطقة أيضا تماما كما فعل سلفه الإمام روح الله الموسوي الخميني. ‏ لا لعبة المنصات الصاروخية ستنفعهم لأنها قابلة للتفكيك بحرب التشويش الالكتروني التي بات يمسك بقواعدها الجيش الإيراني، ولا لعبة دبابة الميركافا قادرة على تحقيق أي من أهدافها بعد إن أنجزت قوات حرس الثورة الإسلامية السلاحين المتطورين آنفي الذكر. ‏ أما سفنهم وبوارجهم فهي لم تعد سوى صيد سهل للصواريخ الإيرانية المتطورة كما ورد ذكره آنفا، هذا فضلا عن جنودهم وضباطهم المنتشرين في الجهات الإيرانية الأربع! صحيح أنهم يملكون قوة تدميرية كبرى، قد لا تملكها إيران، لكن الصحيح أيضا وكما قلنا ثمة قوة اكبر تصلح للصمود كما لتحقيق الانتصار أيضا ألا وهي قوة اليقين، فما بالك إذا كانت مسلحة بآخر ما توصل إليه الغرب من لعبة التكنولوجيا وعلومها على السواء!. ‏ العالم في عام 2010 على موعد مع التغيير فعلا، لكنه لم يعد بالضرورة من نوع التغيير الذي نادى به أوباما، فالجميع يستعد للمنازلة وإن لم يحن موعد الحرب بنظرنا بعد!

 

  المصدر: صحيفة تشرين - محمد صادق الحسيني  

اترك تعلیق

آخر المقالات