حصانة المعركة.. والقتل بلا حساب!
ما الفائدة التي يمكن أن تعود علينا نحن معاشر العرب من قيام موقع "ويكيليكس" الإلكتروني ببث شريط مصور لطائرة "أباتشي" أمريكية وهي تقوم بعملية إبادة بدم بارد لاثني عشر مدنياً عراقياً في بغداد عام 2007م؟! أقول: ما الفائدة التي يمكن أن تعود علينا غير صب الزيت على حريق الغضب والحزن المشتعل في قلب كل حر حيال ما يجري بحق الأبرياء من أبناء ذلك الشعب المنكوب؟! فهذه الواقعة التي كان من بين ضحاياها طفلان واثنان من الصحفيين التابعين لوكالة "رويترز" تأتي لتضاف إلى السجل الأسود المتخم بجرائم قوات الاحتلال الأمريكي ضد الشعب العراقي.. أطفاله ونساؤه وشيوخه.. منذ احتلاله العراق قبل سبع سنوات (21/ 3/ 2003م) ولم يتحرك أحد.. لا السيد "أوكامبو"- المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الحالي- صاحب الهمة العالية في تحويل كل من تغضب عليه الإدارة الأمريكية إلى محكمة جرائم الحرب، ولا الأمم المتحدة، ولا أي طرف في العالم العربي أو الإسلامي. لقد أصبح العراق وأفغانستان كلأً مباحاً لآلة القتل والإبادة الغربية بدم بارد دون أدنى "كلمة" عتاب.. مجرد "كلمة"، ولهذا فإن الجندي الأمريكي "بول كورتيز" (24عاماً) المتهم بقتل الفتاة العراقية "عبير قاسم الجنابي" بعد اغتصابها وقتل أهلها عندما وقف أمام المحكمة الأمريكية التي كانت تحاكمه، أخذ يعترف بما اقترفه بكل برود وهو يواصل مضغ "العلكة"، دون اكتراث، لا بالمحكمة، ولا بالضحايا الذين ذهبوا جراء فعله الإجرامي، ويقول الادعاء في هذه القضية: "إن كورتيز وزملاءه الثلاثة تحلقوا حول زجاجات الخمر وأوراق اللعب، وخرجوا بخطة اغتصاب وقتل الفتاة العراقية الصغيرة". وهل بعد ما كشف من أهوال في سجن "أبو غريب" بحق السجناء والسجينات العراقيات على أيدي القوات الأمريكية دون أي تحقيق، هل بعد تلك الجريمة.. جريمة؟! وماذا عن حملة الإبادة المنظمة التي تقوم بها ميليشيات "بلاك ووتر" ذات التاريخ الأسود في إبادة الشعوب؟! أقول: لو أبادت القوات الأمريكية الشعب العراقي والأفغاني عن بكرة أبيه فلن يسائلها أحد، ولن تحاسب جنودها حساباً جدياً، فكل ما نتابعه ونشاهده عن احتجاجات في "الكونجرس" -إن حدثت- ومحاكمات عسكرية لبعض الجنود هي لذر الرماد في العيون، إن كانت هناك عيون أصلاً تراقب وتحتج!! فكل شيء في عرف جيش الاحتلال والإدارة الأمريكية مباح وحلال، والدليل على ذلك إعلان "المنظمة الأمريكية للدفاع عن الحريات المدنية" أنّ أكثر من 800 شكوى تضمنتها دعوى بالتعويض رفعتها عائلات مدنيين قتلوا على أيدي جيش الاحتلال الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان، لكن القضاء الأمريكي رفض تلك الشكاوى تحت بند يطلق عليه اسم "حصانة المعركة" في القانون، وينصّ البند على: أنّ "أي ضرر قد يلحقه جنود أمريكيون بسكان بلد أجنبي خلال المعارك، لا يعوض بالضرورة، حتى وإن كان الضحايا غير متورطين بأي شكل من الأشكال في المعركة" (وكالة الأنباء الفرنسية 4/4/2010م). ومن يدقق في المشهد الدامي برمته على أرض العراق وأفغانستان يدرك أن قوات الاحتلال تقتل حتى تشبع قتلاً، وتشرب من دماء الناس حتى الثمالة، ولا يكشف جريمتها إلا الإعلام الغربي الأمريكي, فهم يرتكبون الجريمة، وهم الذين يكشفونها، وهم الذين يعقدون المحاكمات ويبرئون المجرمين. أما نحن فخارج المشهد تماماً، ومن يقف داخله من حكومات عميلة للاحتلال أو تعمل في ظله فلا تقل جرائمها ضد أبناء شعبها عن جرائم الاحتلال, وإلا فهل تقل الجرائم التي ارتكبت في حق العراقيين بأيدي عراقية في عهد حكومتي "الجعفري" و"المالكي" عن جرائم قوات الاحتلال؟! وهل تقل الجرائم التي ترتكبها حكومة "كرزاي" أو القوات الباكستانية بحق السكان المدنيين في مناطق القبائل عن الجرائم التي ترتكبها قوات التحالف الغربي؟! إنه التحالف الأعمى لإبادة الشعوب من أجل السلطة والثروة والنفوذ.. تحت لافتة: "مصالح الشعوب.. وتحريرها.. وتحقيق رفاهيتها"! وبعد.. فمن حق موقع "ويكيليكس" الإلكتروني "المحترم" الذي يتخصص في نشر أخطر القضايا مدعمة بوثائق لا تقبل الإنكار -من حقه علينا الإشادة؛ لأنه يحرك المياه الآسنة، ويبدو أن ذلك الموقع يعد مركز تجمع لذوي الضمائر الحية في عمق المؤسسات الاستراتيجية بالغرب، والذين يرفضون سياسات إبادة الشعوب جملة وتفصيلاً، وهؤلاء يستحقون منا الانتباه والمتابعة لأنهم يمثلون صوت الضمير الحي في الغرب. كاتب عربي