أوباما على درب بوش
وصل الاستخدام الموسع للهجمات بطائرات من دون طيار تحت إدارة أوباما بحصيلة القتلى من المدنيين إلى حد غير مسبوق ظهرت عبارة "عقيدة بوش" للمرة الأولى في 2001، وارتبطت فيما بعد بشكل كبير بالشذوذ القانوني الذي عُرف باسم "الضربة الوقائية". وفهم تلك العقيدة يمكنه أن يقودنا إلى فهم أفضل للميراث الذي تركه الرئيس السابق. وتلك العقيدة أو الميراث هو الشيء الذي وحد حقا كل شعوب العالم في إدانتهم لمعتقل جوانتنامو. أما الرغبة الطموحة في إغلاق جوانتنامو فقد كانت علامة على بداية عهد جديد، وشعورا ضمنيا أقرت به لجنة جائزة نوبل في السلام، والتي نال أوباما نسختها الأخيرة. وللأسف ما رأيناه كان فجرا زائفا. فمحامو معتقلي جوانتنامو، والذين أتواصل معهم، عبروا عن سخطهم الشديد من آخر ما توقعوا أن يقوم به الرئيس أوباما، ألا وهو إرسال المعتقلين في المعتقل إلى اللجان العسكرية- وهو قرار سيجعل أوباما يفقد كل الدعم الذي حظي به بين أنصار حقوق الإنسان. وهذا التوجه هو توجه جديد بالكامل أكثر خطورة من كل التوجهات أيام بوش. فتنفيذ أحكام الإعدام دون أوامر قضائية وعمليات استهداف أشخاص بعينهم سيصبحان سريعا النقطة الرئيسية في خلاف ستضطر إدارة أوباما أن تجد لها مبررا. فعلى الرغم من أن بوش كان معروفا بمساندته لمثل هذه السياسات، وصل الاستخدام الموسع للهجمات بطائرات من دون طيار تحت إدارة أوباما بحصيلة القتلى من المدنيين إلى حد غير مسبوق. كما أن قوانين الحرب لا تسمح باستهداف أشخاص بعينهم خارج مناطق الصراع، رغم هذا نجد أن عمليات الإعدام دون أوامر قضائية تقع على يد الامريكان في مناطق بعيدة جدا عن مناطق الصراع مثل اليمن والقرن الأفريقي وباكستان. ومن منظور قانوني وأخلاقي، التبرير الذي تقول به وزارة الخارجية الأمريكية هو تبرير مفلس، وفقط يعزز من القول إن أمريكا لا تكترث سوى القليل من مبادئها. ففي العراق مثلا، هناك جنود أمريكان من المفترض أنهم يستخدمون الأجهزة والمعدات التي بحوزتهم للتعرف على العناصر المقاتلة، رغم هذا لا يزال الجنود الأمريكان يستهدفون الأشخاص الخطأ. وهذه الحال تصبح أسوأ عندما ينفذ تلك العمليات عناصر أمريكية قادمة من أمريكا ولم تذهب يوما إلى مناطق الصراع، وتعتمد فقط على الصور الرقمية المتوافرة للأشخاص المطلوب التخلص منهم، والمفترض أنهم من الأعداء. أما مراكز الأبحاث المختلفة في أمريكا فتقدر أن معدل إصابة المدنيين في الهجمات الجوية بالطائرات من دون طيار هو واحد من ثلاثة (الثلث من المصابين من المدنيين). وطبقا للإحصاءات الباكستانية الرسمية، يلقى كل شهر ما متوسطه 58 من المدنيين، وذلك خلال عام 2009 فقط. ومن الهجمات الجوية بطائرات من دون طيار التي نفذتها العسكرية الأمريكية في باكستان هذا العام والبالغ عددها 44 هجمة تم اقتناص خمسة عناصر فقط من العناصر المستهدفة، وإجمالي عدد الضحايا فاق 700 مدني (5 مستهدفين مقابل 700 مدني). وبغض النظر عن الأرقام، القول إن عمليات القتل من دون أوامر قضائية هي عمليات مبررة هو قول ضعيف، وعدد الإصابات بين المدنيين مرتفع جدا، هو أكثر من أن يبرر مواصلة تلك العمليات. أما التطور الآخر في عقدية أوباما هو كسر ذلك التابو الذي تعلقت به إدارة بوش- وهو محاكمة المواطنين الأمريكان خارج العملية الدستورية الأمريكية. فخلال عهد بوش، كانت محاكمة المعتقلين الأمريكان مثل جون واكر وياسر حمدي وخوسيه باديلا أبطأ من محاكمة المعتقلين من الجنسيات والقوميات الأخرى. (يرسل الأمريكان المعتقلين من الجنسيات الأخرى سريعا إلى معتقل جوانتنامو أو للسجون السرية الأخرى). وذلك التمييز العنصري لصالح المواطنين الأمريكان بين أن هناك خطا وأمريكا غير مستعدة لتجاوزه. ومهما كانت نية الحكومة الأمريكية حسنة بعد أحداث 11 سبتمبر، تدمرت تلك النية الحسنة على يد الطريقة التي خاضت بها أمريكا حروبها بعد هذا التاريخ. وزاد الطين بلة تلاشي الأمل الذي تزامن مع انتخاب أوباما رئيسا للبلاد، بعدما كشفت سياساته أنها ليست أكثر من توكيد على أساس عقيدة بوش- وهو أن مصالح الأمن القومي الأمريكي تفوق وتسبق أي اعتبار آخر. والاختلاف الوحيد بين عقيدة أوباما وعقيدة بوش هو أن الأولى أكثر فتكا، مع زيادة الاعتماد على تنفيذ عمليات الإعدام من دون أوامر قضائية من خلال هجمات جوية تشنها طائرات من دون طيار في مواقع خارج مناطق الصراع. الكاتب:عاصم قرشي